BY: Lionel Laurent
الشرق اليوم – من بين الكثير من المشاجرات والتوبيخات الدبلوماسية التي تلخص العلاقات السيئة بين المملكة المتحدة وصديقتها اللدودة التاريخية في أوروبا فرنسا، هناك عبارة عالقة وثابتة في الذهن وهي «سيطر على نفسك وترفق بي».
كان الانتقاد المتعالي لبوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، الذي تم التعبير عنه عمداً بخليط من الإنجليزية والفرنسية الركيكة موجهاً مباشراً إلى إيمانويل ماكرون المستشيط غيظاً بعد الإعلان عن شراكة أمنية جديدة في سبتمبر (أيلول) بين البريطانيين والمملكة المتحدة وأستراليا والتي تُعرف باسم اتفاقية «أوكوس» وتستبعد فرنسا، وتؤدي من بين أمور أخرى إلى خسارة صفقة لبيع عشرات الغواصات إلى كانبرا.
كان ذلك الأمر يعد أسوأ لحظة بين الكثير من اللحظات مع إطلاق اتفاقية «بريكست» (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) لمشاعر عداء مكبوتة بشأن التجارة والمال والصيد وعبور المهاجرين بين الدولتين الجارتين متوسطتي الحجم اللتين لا تزالان تتعاونان في مجالات من بينها الدفاع. يقول ألكسندر هولرويد، مشرّع في حزب ماكرون إنه متشائم تجاه فرص التوصل إلى توافق في القريب العاجل: «نحن مثل شقيقين يتشاجران باستمرار».
تحوم في الأفق لحظة حاسمة حالياً في ظل نظر المملكة المتحدة فيما إذا كانت سوف تتخلى عن التزامها بشروط الاتحاد الأوروبي الخاصة بالتجارة، التي وقّعت عليها في آيرلندا الشمالية أم لا. إن هذه أحدث تهديدات حكومة جونسون بتقويض منظومة الجمارك والتعريفات الجمركية التي كانت تراها ذات يوم أفضل طريقة لتفادي التضييق على الحدود مع جزيرة آيرلندا، وهو أمر تعهد الجانبان بعدم تكراره من خلال ترسيم الحدود في البحر الآيرلندي.
على باريس والعواصم الأوروبية الأخرى الآن جذب جونسون بعيداً عن الهاوية، مع تقديم فرص لإقامة علاقات أفضل. العامل المحفز قصير المدى هنا خطير بدرجة لا يمكن إنكارها، وهو الشلل السياسي في آيرلندا الشمالية في ظل رفض الاتحاديين المعارضين شروط التجارة بعد اتفاق «بريكست» الانضمام إلى مجلس مشاركة السلطة في المنطقة.
مع ذلك تدرك المملكة المتحدة أن التخلي أحادي الجانب عن الالتزام بالشروط لن يفيد كثيراً، بل سوف يعزز وحدة الاتحاد الأوروبي. في حين أن سماع مسؤولين في بروكسل يقولون إنهم لن يخضعوا للابتزاز غير مقنع، مع العلم أن آخر مرة حدث ذلك قدّم الاتحاد الأوروبي سيلاً من التنازلات لتهدئة لندن، تقلل حكومة جونسون باستمرار من قيمة وقدر الدعم الأوروبي للسوق الموحدة. سوف يثير المزيد من الخضوع لطلبات المملكة المتحدة تساؤلات من جانب شركاء آخرين بشأن مصداقية الاتحاد الأوروبي، على حد قول باري أندروس، عضو آيرلندي في البرلمان الأوروبي.
يبدو أنه وفقاً للحسابات البريطانية غيّرت حرب أوكرانيا قواعد اللعبة، وأنها قد عبّرت عن النيات الطيبة بما يكفي من خلال دعمها لكييف والتزامها بالدفاع عن الجزء الشرقي من أوروبا، من أجل تعزيز طلباتها. مع ذلك سيكون الأثر عكسياً، ففي الوقت الذي يزداد فيه التوافق بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على فرض المزيد من العقوبات على روسيا، سيتسبب التراجع عن معاهدة وقّع عليها الطرفان في إفساد العلاقة، وسوف تتبخر الثقة بجونسون، التي تراجعت بالفعل، وتختفي.
كذلك من شأن وضع عوائق تتعلق بالتعريفة الجمركية وغيرها أن يُلحق ضرراً أكبر متعلقاً باتفاقية «بريكست» بالاقتصاد البريطاني الذي يتوقع صندوق النقد الدولي أن يحقق أدنى نمو وأكبر معدل تضخم بين الدول السبعة الكبرى. كذلك سوف يكون لذلك أثر سلبي على آيرلندا الشمالية، التي فاق أداؤها الاقتصادي متوسط الأداء الاقتصادي للمملكة المتحدة، حسب المعهد الوطني للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية.
هذه هي العصا، لكن يمكن لماكرون أن يقدم الجزرة أيضاً، فقد اقترح بالفعل إنشاء تجمع جديد ذي طابع رسمي أقل لدول ذات مواقف متشابهة يتجاوز الاتحاد الأوروبي، ويضم دولاً أعضاء ذات طموح مثل أوكرانيا وبريطانيا، العضو السابق الوحيد في الاتحاد الأوروبي. يمكن رصد الدليل على استعداد باريس وشركائها لعالم ما بعد أوكرانيا في التجارة، حيث قال أحد المسؤولين في الاتحاد الأوروبي إنه من الممكن اختتام المحادثات الخاصة بالتجارة مع أستراليا، والتي توقفت بعد دراما اتفاق «أوكوس»، بحلول نهاية 2022 أو خلال عام 2023.
يقول الأستاذ فيديريكو فابريني، من معهد «بريكست» بجامعة مدينة دبلن، إن مبادرة ماكرون من المؤشرات التي توضح إمكانية تطور العلاقات مع بريطانيا، رغم عدم كونها «زواجاً رائعاً». كذلك يشير إلى أنه قد تم تحويل ملف «بريكست» الخاص بالمملكة المتحدة إلى وزارة الخارجية نظرياً، مما يجعله مرتبطاً استراتيجياً بدرجة أكبر بالسياسة الخارجية.
يتمثل المجهول الأكبر في السياسة الداخلية البريطانية كما هو الحال دائماً، حيث أعادت اتفاقية «بريكست» تشكيل المشهد في عام 2016، ولا تزال عاملا موجّها. يمثل الاتحاد الأوروبي كبش فداء مفيداً، بالنظر إلى التكلفة التي تسببت فيها اتفاقية «بريكست» للمملكة المتحدة من دون تحقيق المنافع الموعودة مثل إبرام اتفاق تجارة مع الولايات المتحدة الأميركية، ورفع القيود التنظيمية عن القطاع المالي. من الأسهل الإلقاء باللائمة على بروكسل، بدلاً من تفسير وشرح التكاليف للناخبين، ومن المعروف أن جونسون قال إن تنفيذ الشروط الجديدة سوف يحدث فقط «على جثتي».
مع ذلك لن يكون وجود تهديدات صريحة مجدياً، حيث من المرجح أن تجعل إبرام اتفاق تجارة مع الولايات المتحدة الأميركية احتمالاً أبعد بالنسبة للمملكة المتحدة، وتزيد الفُرقة والشقاق بين الحلفاء الغربيين في وقت حرب. تم عزل العلاقات في مجال الدفاع عن التوترات التي يشهدها مجال التجارة حتى هذه اللحظة، كما أخبرني شون كيلي، عضو في البرلمان الأوروبي، لكن من الصعب التنبؤ بالنحو الذي سيستمر عليه الوضع.
تغير الكثير من الأمور منذ اقترح جونسون للمرة الأولى على ماكرون السيطرة على نفسه والتركيز على التهديدات المشتركة في عالم تزداد أخطاره يوماً عن الآخر، فهل عليه الآن اتباع نصيحته.
ترجمة: الشرق الأوسط