بقلم: روعة قاسم – النهار العربي
الشرق اليوم – أُطلقت خلال الفترة الماضية دعوات إلى الحكومة التونسية تحضّها على التكثيف من إنتاج مادة الفوسفات، التي تضاعف سعرها في السوق العالمية ثلاث مرات، وهي التي تستخرج منها مشتقات عدة على غرار الأسمدة الفلاحية التي بات الطلب عليها متزايداً مع أزمة الغذاء العالمية الناتجة من الحرب الروسية – الأوكرانية. وكانت تونس قبل نكبتها الاقتصادية التي جاءت نتيجة لثورة 14 كانون الثاني (يناير) 2011، والتي أطاحت بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، تحتل المرتبة الثانية عالمياً في إنتاج الفوسفات الذي كان أحد أعمدة الاقتصاد التونسي، والذي يدر على البلاد مداخيل مهمة من العملة الصعبة.
ولعل ما جعل الإقبال كبيراً على الفوسفات التونسي هو انخفاض تكلفة استخراجه مقارنة بدول أخرى منافسة، وكذلك جودته العالية، وأيضاً لأنه يتم تصنيعه بوحدات المجمع الكيميائي الصناعي التونسي حيث تستخرج مشتقاته ويباع بسعر معقول في الأسواق العالمية. وللخضراء احتياطي ضخم يتركز بمنطقة الحوض المنجمي التي تضم مناجم المظيلة والمتلوي والرديف وأم العرائس من ولاية قفصة، وأيضاً منجم المكناسي من ولاية سيدي بوزيد، وكذلك احتياطي منطقة “سرا ورتان” من ولاية الكاف والذي لم يدخل بعد طور الانتاج وفيه مخزون مهم جداً قد ينقل تونس من طور إلى آخر على مستوى الإنتاج.
ورغم هذه الثروة المهمة فإن ترتيب تونس العالمي تراجع في السنوات العشر الأخيرة بسبب ضعف الإنتاج وانعدامه أحياناً جراء كثرة الإضرابات في شركة فوسفات قفصة، وهي الشركة الوطنية العملاقة المشرفة على القطاع. حتى أن المجمع الكيميائي الصناعي اضطر السنة الماضية إلى استيراد الفوسفات من بلد منافس للإيفاء بالتزاماته التصديرية إلى الخارج وذلك بسبب توقف الإنتاج في الحوض المنجمي نتيجة للإضرابات العمالية التي تجاوزت الحد باسم الثورة.
وبالتالي فقد تسبب توقف الإنتاج بخسائر سنوية فادحة في هذا القطاع وفي استنزاف العملة الصعبة بسبب الاستيراد، وهو ما يفسر إلى جانب عوامل أخرى هذه النكسة التي شهدتها تونس التي كان اقتصادها مضرب الأمثال في الاستقرار والصمود أمام الرياح العاتية، وذلك بالمقارنة مع البلدان العربية والأفريقية غير المصدرة للنفط. ولعل ذلك هو أحد الأسباب التي دفعت بتونس للجوء إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي وذلك على رغم أن في البلد ثروات مهمة مناسبة لعدد سكانه المحدود الذي بقي يراوح مكانه منذ عقود بسبب سياسة تحديد النسل التي انتهجتها دولة الاستقلال في تونس.
ويبدو أن الحكومة التونسية برئاسة نجلاء بودن، وأمام كثرة الدعوات للعودة بقوة إلى الإنتاج استغلالاً للظرف العالمي الذي تضاعف فيه سعر الفوسفات في الأسواق، ستقوم بالترفيع في نسق الإنتاج كأحد الحلول للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية العالمية الناتجة من جائحة كورونا والحرب الروسية – الأوكرانية. ويتوقع في هذا الإطار أن تنتج تونس هذا العام 5.5 ملايين طن، في حين تم إنتاج 3.7 ملايين طن العام الماضي، على أمل أن تعود قريباً إلى نسق إنتاجها المسجل سنة 2010، أي قبل الثورة، والذي كان يزيد على 10 ملايين طن سنوياً وجعل تونس ثاني منتج على مستوى العالم.
كما ستعود تونس هذا العام، ومع ارتفاع نسق الإنتاج وتزايد الطلب على الفوسفات ورغبة الحكومة في إيجاد الموارد، إلى التصدير للمرة الأولى منذ اندلاع الثورة في 17 كانون الأول (ديسمير) 2010 وسقوط نظام بن علي في 14 كانون الثاني (يناير) 2011، وذلك بعد أن يتم الإيفاء بحاجات السوق الداخلية في قطاع الفلاحة على وجه الخصوص. ويتوقع أن تصدر تونس هذا العام أكثر من 300 ألف طن من الفوسفات إلى كل من فرنسا والبرازيل وتركيا وإندونيسيا وبلدان أخرى وذلك مع توقعات بتصدير 600 ألف طن العام المقبل لتصل تدريجياً إلى الأرقام المسجلة في سنة 2010 في ما يتعلق بالتصدير.
وتبقى الخشية من عودة الإضرابات والاضطرابات الاجتماعية التي قد تعطل الإنتاج وتجعل تونس لا تفي بالتزاماتها تجاه الراغبين في استيراد فوسفاتها. فهل ستكون عودة تصدير الفوسفات الانطلاقة الحقيقية لتونس لاستعادة مكانتها والخروج من المستنقع؟