بقلم: حسن فحص – إندبندنت عربية
الشرق اليوم – كسرت الزيارة التي قام بها مساعد مفوض السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي إنريكي مورا إلى العاصمة الإيرانية طهران، الأسبوع الفائت، الجمود الذي سيطر على المفاوضات النووية ووضعها في دائرة التعطيل والانهيار، بعد أن وصل الخلاف بين واشنطن وطهران على النقاط العالقة، أو ما وصف بأنه اثنين في المئة من نص الاتفاق الجديد، إلى مرحلة حرجة، لجهة طابعها الخاص وحاجتها لقرار سياسي مطلوب اتخاذه لدى قيادة الطرفين.
اللقاءات المكثفة التي أجراها مورا مع كبير المفاوضين علي باقري كني خلف أبواب مغلقة وبعيداً من الإعلام ومن دون أي تسريبات، انتهت إلى نتيجة ترغب بها طهران بالقدر ذاته من الرغبة الأوروبية، بالاتفاق على إعادة إحياء المفاوضات والعودة إلى فيينا لإنهاء النقاط العالقة والمتبقية التي تعيق التوقيع على الاتفاق النهائي.
الليونة الإيرانية التي ظهرت من خلال إعلان طهران عن مقترحات جديدة تساعد على كسر الانسداد القائم في المفاوضات، يمكن اعتبارها مبادرة جديدة محكومة بالحاجة الإيرانية لإعادة الحرارة إلى المفاوضات من أجل تحقيق هدف رئيس في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها الوضع الداخلي نتيجة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي باتت تهدد بشكل جدي الاستقرار الداخلي.
وليس الوضع الداخلي المأزوم اقتصادياً، ما يشكل العامل الضاغط على الطرف الإيراني للبحث عن مخارج لأزمة المفاوضات، فالقبول بالمبادرة الأوروبية والوساطة التي يحملها مورا بالتنسيق مع مفوض السياسات الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل، يأتي متأثراً بالموقف الروسي “غير المرحب” نوعاً ما بهذا التطور، عبّر عنه مندوب موسكو في المفاوضات ميخائيل أوليانوف بقوله إن بلاده غير قادرة على تقديم أي مساعدة لطهران في هذه المرحلة، في وقت تؤكد موسكو أن مسودة الاتفاق باتت جاهزة ولم يتبقَّ سوى توقيع الأطراف عليها بعد حسم النقاط العالقة.
كلام الرئيس السابق للجمهورية حسن روحاني الذي قرر الخروج عن صمته والتعبير عن موقفه من المسار التفاوضي في فيينا، عن أن الاتفاق كان في مرمى اليد الإيرانية قبل عام من الآن، وأن إنجازه في ذلك الوقت كان بإمكانه قطع الطريق على دخول إيران في الأزمة التي تعانيها في هذه الأيام، ويكشف حجم الجدل الداخلي حول المماطلة التي لجأ إليها الفريق الإيراني المفاوض، فشل طموحاته في فرض اتفاق جديد على الطرف الأميركي يسمح له بتوظيفه في الداخل بمواجهة خصومه السياسيين والفريق السابق، فضلاً عن اتهام هذا الفريق بتضييع الفرص أمام إيران واقتصادها للاستفادة من الأزمة العالمية الاقتصادية، بخاصة في قطاع الطاقة، نتيجة الأزمة الأوكرانية والحرب الروسية.
وأمام ما يدور الحديث عنه من تعاون روسي – صيني في قطاع النفط ورفع مستويات تصدير النفط الروسي إلى الصين في المرحلة المقبلة، وإمكانية أن يحلّ هذا النفط بديلاً عن الحصة الإيرانية من السوق الصينية، وما يعنيه من خروج أو إخراج إيران من هذه السوق التي لعبت دوراً مهماً في تأمين الحاجات الإيرانية في ظل العقوبات الأميركية المشددة في الأعوام الماضية، أي خسارة إيران لأهم مصادرها المالية في هذه المرحلة الحساسة التي تحتاج فيها إلى الحفاظ على مواردها وضخها في الاقتصاد الداخلي وكبح المسار الانحداري الذي شارف على الانهيار، ودفع شرائح واسعة من الإيرانيين في عدد من المدن للخروج إلى الشارع والتظاهر اعتراضاً على الارتفاع الكبير في أسعار المواد الحياتية الأساسية وعجزهم عن توفير قوتهم اليومي في ظل الانهيار الكبير في قيمة العملة الوطنية وصعوبة حصولهم على رواتبهم التي تعجز الحكومة عن تسديدها.
بعض الأوساط الإيرانية يتحدث عن تنازلات قد يلجأ إليها النظام، تتمثل في تخليه عن جانب من السقوف المرتفعة والعالية التي وضعها كشروط وخطوط حمراء في الأشهر الأخيرة وعرقلت عملية التوصل إلى تفاهم سياسي مع الإدارة الأميركية، وأعاقت عملية إعادة إحياء الاتفاق.
الإشارة التي صدرت عن وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان بعد زيارته العاصمة اللبنانية بيروت في مارس (آذار) الماضي حول ما وصفه من “إيثار” قيادة حرس الثورة التي أبلغته بإنهاء تقبل بقاء هذه المؤسسة على لائحة العقوبات إذا ما كان ذلك يخدم الهدف الأهم في إلغاء العقوبات الأخرى عن الاقتصاد والقطاعات الإيرانية الأخرى، قد تشكل المدخل إلى المبادرة الإيرانية الجديدة التي حمّلتها للمبعوث الأوروبي مورا قبل أيام، والتي رفعت مستوى التفاؤل بإمكانية التوقيع على الاتفاق في الأيام القليلة المقبلة، إذا ما أبدت واشنطن إيجابية في اتخاذ القرار السياسي الذي يسهّل ترجمة هذه المبادرة الجديدة.
إخراج حرس الثورة كشرط من دائرة التفاوض، مع الإبقاء عليه كخط أحمر لمرحلة أخرى من التفاوض، قد تستعيض عنه طهران بالضغط من أجل الحصول على قرار سياسي أميركي واضح يتعلق بالجانب المالي وآليات الحصول على عائدات بيع النفط والتجارة الخارجية الإيرانية في الأسواق العالمية، من خلال رفع العقوبات الأميركية المفروضة عبر وزارة الخزانة على التحويلات البنكية إلى إيران وإعادة ربطها بالنظام العالمي للتعاملات المالية، ما يسمح بحصولها على أموالها المجمدة في أميركا والبنوك الخارجية عبر نظام “سويفت”، على العكس مما حصل مع الديون التي استعادتها من بريطانيا قبل أشهر والبالغة نحو 500 مليون دولار التي أودعت في البنوك العمانية ولا تملك حق التصرف بها سوى لشراء حاجاتها من المواد الأساسية.
وإذا ما فشلت هذه المبادرة، فمن المحتمل، وبحسب تقديرات الأوساط الإيرانية المواكبة لعملية التفاوض، أن تلجأ طهران إلى استغلال الحاجة الأوروبية لمصادر الطاقة، وتضغط من أجل التوصل إلى تفاهمات ثنائية مع دول الاتحاد الأوروبي وإعادة تفعيل آلية “إنستكس” للتبادل المالي كردّ على التشدد الأميركي ورفضه أي تسوية مطروحة من قبلها أو من قبل الاتحاد الأوروبي.