بقلم: فاروق يوسف – العرب اللندنية
الشرق اليوم – أكان متوقعا أن تغير حركة طالبان عاداتها السيئة في إدارة المجتمع الذي تحكمه؟ ذلك سؤال لا معنى له إلا إذا صدقنا ما قاله الأوروبيون من أجل التغطية على الهزيمة الأميركية التي أنهت عشرين سنة من الصراع الذي كان عنوانا لمشروع أميركي خائب دفع ثمنه الشعب الأفغاني الذي صدق أنه وصل إلى طريق الحرية عن طريق الغزو الأميركي. تلك فكاهة شعب يائس من نفسه ومن الآخرين.
الهزيمة الأميركية كانت درسا آخر تأكد من خلاله أن الحرية لا تأتي عن طريق الغزو الخارجي. فالغزاة لا يحملون معهم مشروعا للحرية. لم تنتج عن الاحتلال الأميركي إلا حكومات ضعيفة، تابعة، ذليلة وغير قادرة على البقاء إلا في ظل الاحتلال حيث يكون في إمكانها أن تؤدي دور الترجمان المحلي الذي لا يملك لغته الخاصة.
حين هُزم الأميركان هُزمت معهم الحكومة الأفغانية التي قيل إنها حكومة منتخبة. وهو ما يضع الديمقراطية التي بشر بها الأميركان بين قوسين. فالديمقراطية كانت في حاجة إلى قوات الاحتلال لكي تحميها. ذلك لأن أحدا من الأفغان لم يكن مهيئا للتعامل معها بشكل جدي في مواجهة حركة طالبان التي لم تكن تعترف بكل ما يمكن أن ينتج عن الاستعمار الغربي بما فيه الديمقراطية.
لقد حاولت أوروبا بطريقة مخادعة أن تثبت أن حركة طالبان أخرى ستستلم الحكم في أفغانستان بعد الهزيمة الأميركية وهي حركة تعترف بحقوق الإنسان وبالأخص في ما يتعلق بحق المرأة في التعليم والعمل والظهور في الحياة العامة. كان ذلك حديثا سائبا ومرتجلا ومليئا بالكذب وهو لا يعترف بالواقع. واقع أن الأميركان كانوا قد خدعوا الشعب الأفغاني بالحكومات الديمقراطية التي يمكن أن تصمد إذا ما تخلوا عنها كما أن الأميركان لم يكاشفوا الشعب الأفغاني بإمكانية أن يُهزموا في حربهم ضد حركة طالبان.
يمكن أن تكون الهزيمة الأميركية هناك درسا تاريخيا لا للولايات المتحدة التي ترفض التعلم من أخطائها بل للشعوب التي تتعلق بوهم الحركة الأميركية المستوردة التي تسلب المرء أعز ما يملك وهو كرامته الوطنية مقابل لا شيء. ذلك اللاشيء الذي ستعبر عنه وقائع كارثية مثل عودة طالبان منتصرة لتعود أفغانستان عشرين سنة إلى الوراء كما لو أن شيئا لم يقع. ما من خراب كان يمكن تفاديه وما من قتلى أبرياء سقطوا من غير أن تملأ أصواتهم الأرض ضجيجا.
عاد البرقع ليكون اللباس الرسمي للمرأة الأفغانية التي صار عليها ألا تغادر بيتها إلا من أجل الضروري من حاجاتها. ألم يكن ذلك هو حال المرأة قبل أن تقع أفغانستان تحت الاحتلال الأميركي. عشرون سنة من الوهم مرت وانقضت ليكون الوضع أشبه بفيلم للرسوم المتحركة لا علاقة له بالوضع البشري.
المرأة بالنسبة إلى طالبان هي قضية مصيرية. ذلك هو المفهوم الذي لن يستطيع أحد إجبار الحركة الإرهابية المنتصرة على تغييره. كانت هناك مفاوضات أميركية – طالبانية في الدوحة من غير أن يتم الكشف عن مفرداتها. هل كانت تلك المفاوضات تتعلق بمصير الشعب الأفغاني ومن ضمنه المرأة أم أنها كانت تخص الخلاص الأميركي وكيف يمكن أن تخرج القوات الأميركية بطريقة غير مخزية؟
سيُقال إن حركة طالبان هي المسؤولة عن ذهاب المرأة إلى منفاها الاجتماعي. هل علينا أن نصدق ذلك من غير أن ننظر إلى المحيط الذي صنعته الولايات المتحدة وهي تعبئ العالم كله ضد طالبان من أجل أن يكون الاحتلال فعلا نزيها؟ ولكن الاحتلال انتهى وبقيت حركة طالبان. ذلك لا يعني أن تلك الحركة كانت على حق مقابل الباطل الذي مثله الاحتلال.
ثنائية كلها كذب وخداع واحتيال وتزييف للمصير البشري.
لقد دمرت حركة طالبان الوضع البشري أما الاحتلال فإنه لم يعد تركيب ذلك الوضع على أسس سليمة. ذلك لأنه لا يصلح للقيام بذلك. ذلك لأن الاحتلال هو مثل طالبان في وجوده الجرثومي. حشرات غير مرئية تنتشر في الجسد لكي لا يكون سليما. لقد حرر الأميركان المرأة في المدن الأفغانية الرئيسية وفي مقدمتها العاصمة كابول من برقعها غير أنه لم يصنع مجتمعا في إمكانه أن يقاوم العودة إلى عصر البرقع. ذلك ما جعل حركة طالبان تضحك على العالم وهي تعده بأن المرأة الأفغانية ستكون حرة في ظل حكمها المستعاد. هل وعدت حقا بذلك؟ هذا ما تحدثت عنه أوروبا وهي تسعى للتغطية على الهزيمة الأميركية.
اليوم لا تقف المرأة الأفغانية وحدها عند مفترق طرق. إما أن تنتحر عن طريق العزلة أو تنتحر عن طريق التحدي. العالم كله وقد تخلى عنها يقف عند لحظة عاره التي صنعتها الآلة العسكرية الأميركية التي لا تزال وستبقى في منأى عن المساءلة.