بقلم: د. منار الشوربجي – المصري اليوم
الشرق اليوم – تزامنت التطورات المتلاحقة في النظام الدولي مع انعقاد مؤتمر الآسيان في واشنطن هذا الأسبوع. والآسيان هي المنظمة التي أُنشئت في الستينيات وتضم دولًا عشرًا بجنوب شرق آسيا.
ففي لحظة تحول حقيقية في بنية النظام الدولي، والتركيز على أوكرانيا، تريد الولايات المتحدة التأكيد على أنها لاتزال تعتبر آسيا بؤرة اهتمامها. وهو الاهتمام النابع من الرغبة في مواجهة الصعود الصينى. فأمريكا تخشى لحاق الصين بها عسكريًا وتكنولوجيًا ومنافستها على الهيمنة على العالم.
وهو ما توليه إدارة بايدن اهتمامًا معتبرًا، حين أفردت استراتيجية خاصة لما أطلقت عليه إقليم «المحيطين الهادي والهندي». وهي تعمل من خلال حلفين استراتيجيين، الرباعية المعروفة اختصارًا باسم الكواد، وتضم إلى جانب الولايات المتحدة اليابان والهند وأستراليا، وتحالف «أوكاس»، المعروف بالأحرف الأولى لدوله الثلاث، الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، والذي يمد المظلة النووية لأستراليا.
والولايات المتحدة منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا تخشى أن تفعل مثلها الصين فتجتاح تايوان، وتريد حشد دول آسيا ضد الصين. وقد عبَّر مسؤول بمجلس الأمن القومي الأمريكي عن ذلك المعنى صراحة، عشية مؤتمر الآسيان، بقوله إنه من المهم لدوله أن «تُعلن سرًا وعلانية أن ما حدث في أوكرانيا لا ينبغى أن يحدث أبدًا في آسيا».
ومن هنا، تولي الولايات المتحدة هذه المرة اهتمامًا متزايدًا للآسيان. والرئيس بايدن سيزور آسيا الشهر الجاري. والحقيقة أن الآسيان، مثل منظمات كثيرة في جنوب العالم، انقسمت دولها حول الغزو الروسي.
لكن وهو الأهم، فإن الكثير من دول الآسيان رغم أنها تخشى النفوذ العسكرى الصيني وتعتبره تهديدًا لأمنها القومي إلا أنها لا تريد الانحياز لأحد الطرفين في صراع القوى المتصاعد بين أمريكا والصين. فحتى الدول منها التي تتمتع بمظلة أمنية وعسكرية أمريكية، مثل كوريا الجنوبية، فإن لها علاقات تجارية واقتصادية وثيقة مع الصين لا تملك ترف التضحية بها. وهو الأمر الذي يُعقِّد من قدرة أمريكا على الحشد ضد الصين.
بعبارة أخرى ترسم دول آسيا عمومًا، لا فقط الآسيان، خطاها بميزان دقيق لئلا تصيبها نيران الصراع الأمريكي- الصيني. وهو ما انعكس في الانتخابات الرئاسية في كل من الفلبين وكوريا الجنوبية.
ففي الفلبين، فاز بالرئاسة ابن ديكتاتور الفلبين السابق فرديناند ماركوس الابن. ورغم وجود نزاع فلبيني- صيني على السيادة على مناطق بغرب الفلبين حكمت محكمة دولية فيه لصالح الأولى، قال ماركوس الابن إنه على استعداد للتغاضي عن حكم المحكمة والتفاوض مع الصين على حل يُرضي الطرفين. وأضاف: «إنك لو أفسحت الطريق للأمريكان تحولت الصين لعدو»، وهو ما يمثل تحولًا في موقف الفلبين.
لكن ماركوس لديه ضغائنه تجاه أمريكا. فقد أصدرت محكمة أمريكية حكمًا يقضي بدفعه غرامة مقدارها 335 مليون دولار، كما عليه أن يدفع 2 مليار دولار نهبتها أسرته من الفلبين، لم يسدد منها سوى 37 مليونًا. وكوريا الجنوبية في وضع لا تُحسد عليه هي الأخرى. فهي تسعى لإيجاد التوازن الدقيق بين الولايات المتحدة، حليفها الأمني والاستراتيجي الأهم، والصين، أكبر شركائها التجاريين.
لكن لعل القلق من التطورات الجديدة في ملف كوريا الشمالية يدفعها للتقارب مع أمريكا بعد التباعد الذي اختاره رئيسها المنتهية ولايته، مو جاي إن. وكأن تطويق الناتو لروسيا، كسبب لاندلاع حرب أوكرانيا، ليس كافيًا، فإن أخطر ما تطرحه الدوائر الأمريكية، بل واليابانية، هو مد مظلة الناتو لآسيا، أو إنشاء ناتو آسيوى لتطويق الصين، بما يفتح الباب لصراع ممتد في آسيا!