افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – ما جرى لرئيس الحكومة الليبية فتحي باشاغا في طرابلس لا يبشر بأن الأزمة الليبية في طريق الحل، بل قد يفتح الحادث الطريق لجولة احتراب جديدة تزيد من عمق المأساة التي يعيشها الشعب الليبي.
إن ما أقدمت عليه الحكومة المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة ضد باشاغا الذي حاول دخول طرابلس سلماً كي تستأنف حكومته أعمالها من العاصمة، من خلال إجباره بالقوة على مغادرتها بواسطة الميليشيات التي افتعلت اشتباكات أدت إلى مقتل شخص وإصابة آخرين، يؤكد أن هناك إصراراً على سد كل سبل الحوار والمفاوضات وصولاً إلى تسوية سياسية تضع ليبيا على طريق السلام، وتنهي عشر سنوات من الاقتتال.
الدبيبة اعتبر ما جرى بأنه إعلان «وفاة لمشروع التمديد والانقلاب»، وقال «إن مشروع التمديد والانقلاب انتحر سياسياً، واليوم صدرت شهادة وفاته رسمياً». وأشار إلى أنه وافق على «فتح ممر آمن لفرارهم من طرابلس لسبب بسيط وهو أن قطرة دم واحدة ليبية أغلى من سلطتهم وأطماعهم»، مؤكداً أن حكومته مستمرة في أداء مهامها حتى تنفيذ الانتخابات، في حين اتهم باشاغا بعد عودته إلى سرت الدبيبة «باستخدام القوة في مواجهة السلام»، وعلل سبب خروجه من العاصمة بالقول «رغم دخولنا دون استخدام العنف وقوة السلاح واستقبالنا من قبل أهالي طرابلس، فوجئنا بالتصعيد الخطير الذي أقدمت عليه مجموعات مسلحة تابعة للحكومة المنتهية ولايتها».
هذا يعني أن ليبيا تواجه أزمة انسداد سياسي تتمثل بوجود حكومتين واحدة في سرت (شرق) برئاسة باشاغا، وواحدة في طرابلس (غرب) برئاسة الدبيبة. الأول تم انتخابه من قبل البرلمان في مطلع فبراير/ شباط الماضي، خلفاً لحكومة الدبيبة التي لم تتمكن من إجراء انتخابات تشريعية في موعدها الذي كان مقرراً في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
لكن من الواضح أن الدول الغربية المعنية بالأزمة الليبية والتي كانت قد تعهدت بالعمل على حل الأزمة الليبية وفق مقررات مؤتمري برلين ومخرجات القرارات الأممية ذات الصلة، والتي كانت قد هددت أكثر من مرة بمعاقبة الجهات التي تعرقل الحل السياسي من خلال الانتخابات، فشلت في الوفاء بتعهداتها، بل تعمدت اللعب على الخلافات الليبية، ولم تحسم أمرها بشأن قرار البرلمان بانتخاب باشاغا بديلاً للدبيبة.
ما حدث في طرابلس قد يكون مؤشراً على ما يحمله المستقبل من تطورات سلبية في ما يخص مسار الأزمة الليبية واحتمال انزلاق البلاد مجدداً نحو الاقتتال، خصوصاً أن اللجنة العسكرية (5+5) التي نجحت في وقف إطلاق النار جمدت أعمالها مؤخراً لأنها لم تتمكن من المضي في عملها باتجاه إعادة توحيد القوات الأمنية، وإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة وحل الميليشيات.
واللافت أن أحداث طرابلس الأخيرة جرت فيما كانت لجنة المسار الدستوري تستأنف اجتماعاتها في القاهرة برعاية الأمم المتحدة، وبحضور وفدي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الليبيين، في محاولة لتحديد الإطار الدستوري الدائم بما يفتح الطريق أمام إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية المؤجلة.