بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم – يدرج الغرب مسارعة فنلندا والسويد إلى التقدم بطلبات انضمام إلى حلف شمال الأطلسي في سياق التغيرات التي شهدها الأمن الأوروبي بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. لكن السؤال البديهي هو إلى أي درجة يمكن أن يكون تمدد الحلف إلى شمال أوروبا أداة لتعزيز الأمن وليس العكس؟
تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن من بين الأسباب الرئيسية التي أوردها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتبرير الهجوم على أوكرانيا، كان سعي رئيسها فلاديمير زيلينسكي إلى الانضمام إلى الأطلسي. وعليه فإن نظرية توسيع الأطلسي، كضمان للاستقرار الأمني، تفتقد إلى الصلابة، ومن شأنها أن تزيد من المخاوف التي تراكمت في روسيا منذ بدء زحف الحلف الغربي شرقاً منذ عام 1997 على موجات متتالية.
الآن، بدأت التساؤلات على ألسنة معلقين غربيين ومراكز الأبحاث: هل يمكن أن تتسع الحرب من أوكرانيا في شرق أوروبا إلى شمال أوروبا، إذا ما مضت عملية ضم فنلندا والسويد كما هو مخطط لها؟
وكما هو متوقع، فإن الكرملين ندد بقرار هلسنكي وهدد برد “انتقامي”. واقترح نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديميتري ميدفيديف احتمالاً آخر قائلاً إن روسيا قد تنشر أسلحة نووية وصواريخ أسرع من الصوت في منطقة البلطيق. لكن وزير الدفاع الليتواني قلل من التهديدات الروسية قائلاً إن الأسلحة النووية “كانت موجودة دائماً” في جيب كالينينغراد في وسط أوروبا. والأمر كما يبدو مع نشر المزيد من الأسلحة النووية المتطورة أو أنظمة تحمل قدرات نووية، من شأنه أن يزيد من التوترات العسكرية الموجودة في منطقة البلطيق.
وأطلق نائب المندوب الروسي الدائم إلى الأمم المتحدة ديميتري بوليانسكي التهديد الأكثر مباشرة حيال هلسنكي واستوكهولم حتى الآن قائلاً: “إنهما (فنلندا والسويد) تعلمان أنه في اللحظة التي تصيران فيها عضوين في الأطلسي، فإن ذلك سيؤدي إلى خطوات مضادة من الجانب الروسي. وإذا ما كان ثمة وحدات أطلسية على أراضي هاتين الدولتين، فإن هذه الأراضي ستتحول أهدافاً لضربة محتملة”.
وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف الأطلسي لا يشكل “خطراً داهماً”، لكنه حذر من أن “نشر بنى تحتية عسكرية في أراضي هذين البلدين سيستدعي رداً بالتأكيد”.
ويقول خبير شؤون الأمن القومي مارك أبيسكوبوس في مجلة “ذا ناشيونال إنترست” الأميركية، إن “الولايات المتحدة وبريطانيا تدعمان بنشاط توسيع الأطلسي ليضم فنلندا والسويد. وتعكس جهود القوى الغربية الأساسية لتسهيل موجة جديدة من تمدد الحلف، السياسة المتبعة منذ إطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط (فبراير)، بهدف إضعاف روسيا عسكرياً وعزلها جيوسياسياً. لكن كيف يمكن أن ترد روسيا، التي تهدد باستمرار باستخدام أسلحة نووية تكتيكية واستراتيجية في حال تم تهديد مصالحها الوجودية، أو تم حشرها في زاوية؟”.
وتقول ناتاليا دروزدياك في مقال في موقع “بلومبرغ” الأميركي، إنه “في ما يتعلق بحلف شمال الأطلسي، فإن دولتي الشمال الأوروبي لن تضيفا إليه قدرات عسكرية فقط. بل هناك الناحية الجغرافية، بحيث ستقللان من الخطر المتأتي من الضفة الشمالية الشرقية، وذلك من طريق زيادة 1343 كيلومتراً في طول الجبهة البرية مع روسيا، ما يعزل على نحوٍ فعلي جيب كالينينغراد الواقع بين بولندا وليتوانيا على بحر البلطيق”.
ولفتت إلى أنه “في وقت كان يتركز الانتباه في مرحلة تدهور العلاقات بين الشرق والغرب على الخطط العسكرية الجديدة لألمانيا، فإن الانضمام المتوقع لفنلندا والسويد إلى عضوية حلف الأطلسي الذي يضم 30 دولة، هو التغير الكبير في السياسة الأوروبية الخارجية منذ الغزو الروسي لأوكرانيا”.
كثيرة هي التساؤلات عن مستقبل أوروبا في وقت لم تتضح بعد ما ستستقر عليه خريطة المعارك في أوكرانيا.