بقلم: آدم فوريست – إندبندنت عربية
الشرق اليوم – اعتاد بوريس جونسون على إطلاق التهديدات بشأن اتفاق “بريكست”. لقد شكل ذلك تكتيكاً ناجحاً بالنسبة إليه منذ اندفاعته حينما لاحت له فرصة تغيير [تنحية] تيريزا ماي كرئيسة للوزراء وحلوله مكانها، حين فشلت في تمرير الاتفاق [بشأن بريكست مع الاتحاد الأوروبي] الذي قدمته إلى البرلمان البريطاني كي يصادق عليه.
وفي وقت سابق، خرج جونسون الانتهازي منتصراً من السباق لأجل الفوز بزعامة حزب المحافظين البريطاني، عبر تقديمه وعداً بسيطاً للناخبين بأنه سيعمل على إنجاز اتفاق بريكست “حياً أو ميتاً”، معرباً للجميع عن استعداده الخروج من الاتحاد الأوروبي “من دون اتفاق” إذا كان ذلك من شأنه تسريع خروج بريطانيا من أوروبا.
ثلاث سنوات مضت تقريباً على تولي بوريس جونسون سلطاته كرئيس للوزراء في “10 داونينغ ستريت”. واليوم، بات يهدد بالتخلي عن اتفاق الخروج الذي توصل إليه بنفسه مع بروكسل عام 2019.
رئيس الحكومة يلعب من جديد لعبة خطيرة في محاولته بث الخوف حيال بريكست، مهدداً بتخلي وزرائه عن البروتوكول الناظم للعلاقة بين أوروبا وإقليم إيرلندا الشمالية بشكل أحادي. هل هو جاد في مسعاه؟
يبدو أنه بالفعل يسعى إلى ذلك، إذ تضغط وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس بقوة من أجل اعتماد خطة تتضمن إدخال تعديلات [على ذلك الاتفاق] عبر قانون سيلغي العمل ببروتوكول إيرلندا الشمالية وأطر التفتيش الجمركي [على البضائع عند انتقالها بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا التي هي من أعضاء الاتحاد الأوروبي] إلى إيرلندا الشمالية، من دون موافقة المفوضية الأوروبية، وهي خطوة تلقى الدعم في مقر الحكومة في “10 داونينغ ستريت”.
يأخذ المسؤولون الأوروبيون هذه التهديدات على محمل الجد، ويستعدون للعمل من أجل الرد بعد أشهر من سماعهم رواية [بريطانية] مبهمة عن إمكانية لجوئهم إلى تفعيل المادة 16 [من البروتوكول، وهي تسمح للندن بوقف العمل بمفاعيل البروتوكول الخاص بإيرلندا الشمالية، من جانب واحد].
وبالتالي، “من المرجح” أن تقدم المفوضية الأوروبية على تعليق العمل باتفاق التجارة والتعاون مع المملكة المتحدة Trade and Cooperation Agreement TCA، إذا تجرأت الحكومة البريطانية على التنصل من البروتوكول، بحسب مصدر تحدث إلى وكالة “بلومبيرغ” للأخبار.
إذاً، يبدو أننا على طريق الدخول في حرب تجارية [مع أوروبا]، الأمر الذي طالما حذر منه قطاع الأعمال البريطاني، معتبراً أنه سيؤدي إلى تداعيات “رهيبة” على أسعار السلع الغذائية والاقتصاد البريطاني عموماً.
ولا بد من أن نذكر هنا أيضاً الآثار [السلبية] التي ستترتب عن مثل تلك الخطوة على مكانة المملكة المتحدة واحترامها للاتفاقات الدولية، وهو أمر أشارت إليه رئيسة الحكومة السابقة [تيريزا] ماي أمام البرلمان البريطاني خلال هذا الأسبوع.
إذاً، لماذا قد يقدم بوريس جونسون على مثل تلك الخطوة؟ لماذا يبدو رئيس الحكومة مستعداً لدفع البلاد نحو مزيد من المصاعب الاقتصادية في وقت تبدو فيه أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة بأنها تتجه نحو الأسوأ؟
في الغالب، قد يحصل ذلك لأن جونسون ما زال مهدداً بسبب فضيحة الحفلات المعروفة بـ”بارتي غيت” Partygate [في إشارة إلى الحفلات التي شارك فيها رئيس الحكومة في مقره إبان إغلاق كورونا].
إذ ما زال ممكناً أن تصدر الشرطة البريطانية مزيداً من المخالفات بحق من شاركوا في الحفلات، فيما تنتظر البلاد صدور تقرير كبيرة الموظفين الحكوميين سو غراي [الذي ينظر في مدى خرق رئيس الحكومة جونسون القانون المتعلق بإغلاق كورونا). ويأتي ذلك كله بالتزامن مع مراقبة رئيس الوزراء الحثيثة لأرقام استطلاعات الرأي التي تظهر أن شعبية حزب المحافظين تراوح مكانها، وهو يتساءل عن مدى استعداد نواب حزبه للتحرك ضده والسعي لإطاحته قبل انعقاد مؤتمر الحزب السنوي العام في نهاية الصيف المقبل.
إذاً، يرى جونسون وفريقه في “10 داونينغ ستريت” وبعد حسابات أجروها أن الخلافات المتعلقة ببريكست، ستكون مفيدة بالنسبة إليهم من وجهة نظر سياسية.
يعتقد كثيرون أن المخاوف الاقتصادية التي نالت اهتمام وزير المالية البريطانية ريشي سوناك وموظفو الخزانة، كان لها الأثر الكبير في قرار الحكومة بتقييد اللورد فروست [كبير المفاوضين البريطانيين مع أوروبا] الذي كان يدفع في اتجاه التحرك من أجل وقف التفتيش الجمركي على الحدود مع إيرلندا الشمالية عبر تفعيل المادة 16 [من بروتوكول إيرلندا الشمالية] في نهاية العام الماضي.
وحاضراً، تقلصت قوة وزير المالية [ريشي سوناك] داخل الحكومة، فيما غير اليأس السياسي الذي يشعر به رئيس الحكومة [الخوف من احتمالية اضطراره للاستقالة] حسابات الربح والخسارة لديه.
سيتمنى جونسون أن تؤدي مواجهة كبيرة وبغيضة مع بروكسل- وستكون مواجهة من النوع الذي قد يستدعي إقامة دعاوى قضائية، وقد تنتهي بفرض الرسوم الجمركية على البضائع- إلى الإبقاء على مجموعة عتاة المؤيدين لبريكست من نواب حزب المحافظين في صفه، حينما ستسوء الأمور في الأشهر المقبلة.
وإذا كان [جونسون] محظوظاً أكثر، فربما سيؤدي ذلك [أي الخلاف مع المفوضية الأوروبية] إلى تحويل أنظار عدد كبير من المقترعين الذين أيدوا بريكست في وقت سابق، بشكل ينسيهم محاسبة الحزب الذي خرق القوانين عبر إجراء حفلات في مقر الحكومة، والتركيز بدلاً من ذلك على عدوهم المفضل، أي الاتحاد الأوروبي.
هل يتضمن ذلك شيئاً من السخرية المريرة؟ إنه بالطبع كذلك، لكن لدى جونسون باع طويل في اللجوء إلى أبشع نوع من اتباع سياسة “نحن” في مقابل “هم” [سياسة بث الفرقة]، إذا كان من شأن ذلك أن يصب في مصلحته المباشرة، بغض النظر عن تأثير ذلك على المدى البعيد علينا جميعاً [أي المواطنين البريطانيين].