BY: Faye Flam
الشرق اليوم – توفي قرابة مليون شخص جراء الإصابة بفيروس «كوفيد – 19» داخل الولايات المتحدة. وتواجه البلاد في الوقت الحاضر موجة جديدة من الارتفاع الحاد في أعداد الإصابات بالمتحورَين «بي إيه 2» و«بي إيه 2. 12». ومن المتوقع أن يتكرر الأمر ذاته مع متحورات أخرى. ومع ذلك، يحتشد الأميركيون في الوقت الحاضر في المطاعم والحفلات ودروس التمارين الرياضية كما لو كنا في العام 2019.
ومن السهل إلقاء اللوم عن هذا الوضع على مسألة الشعور بإجهاد بسبب جائحة «كوفيد»، إلا أنها ربما لا تكون لبّ المشكلة. الحقيقة، أن الناس يعانون من الارتباك ولا تتوافر لديهم معرفة كافية بالحقائق وتسيطر عليهم الشكوك؛ وذلك لسبب وجيه – لقد خذلتنا مؤسسة الصحة العامة مرات عديدة، وقللت من خطورة المخاطر في وقت مبكر من الجائحة، وأقرّت قواعد لحمايتنا لم تخل من مباهاة واستعراض، والآن تلومنا على إخفاقاتها.
اليوم، أصبحت إجراءات التحوط ضد الجائحة أقل شعبية، وبدأ الناس يميلون بصورة متزايدة نحو خياراتهم الخاصة، أو مثلما ذكرت مجلة «نيويوركر»: «لقد أدرك الأميركيون ما هو مسموح به وما هو غير مسموح. الآن، انتقلنا إلى مرحلة (الغرب المتوحش)».
بيد أن المشكلة لا تكمن في التحول باتجاه الاختيارات الشخصية، ويعود السبب وراء ذلك إلى أن مؤسساتنا المعنية بالصحة العام لم تكن بارعة في مسألة إصدار إجراءات إلزامية فاعلة في مواجهة الجائحة، أو إمداد الأشخاص بالمعلومات المطلوبة كي يقيموا المخاطر التي يجابهونها. وكثيراً ما كان «ما هو مسموح به وما هو غير مسموح به» يبدو غير منطقي.
وعلى امتداد العامين الماضيين، جرت صياغة الكثير من القواعد الموجهة لمجابهة جائحة «كوفيد» بناءً على دوافع تتجاوز اعتبارات السلامة العامة، فقد رغب السياسيون وأصحاب الشركات في أن يظهروا بمظهر من يتخذ إجراءات صارمة لحماية الناخبين والعملاء. ومع ذلك، فإن المطاعم الداخلية لم تكن آمنة على الإطلاق رغم الجهود الإضافية بمجال التنظيف وإجراءات فرض ارتداء الأقنعة، بينما شكّلت المتنزهات مصادر غير محتملة للأمراض. ومع ذلك، وجد الناس أن القواعد المفروضة من حولهم نادراً ما تعكس الفهم العلمي الحالي للفيروس.
وكانت المرة الوحيدة التي كان فيها الأميركيون تحت أي نوع من الإغلاق خلال ربيع عام 2020، عندما أُجبرت المطاعم والكنائس والصالات الرياضية والمدارس على الإغلاق. ولم يكن ذلك وضعاً مستداماً على الإطلاق، على الرغم من أنه بدا من الحكمة كإجراء قصير المدى لمنع المستشفيات من تجاوزها. فإن التساؤل هنا: لماذا وضع الكثير من حكام الولايات نقاط تفتيش على حدود الولاية أو فرضوا قواعد الحجر الصحي على عابري الحدود؟ لم يكن هناك ثمة تفسير منطقي. بحلول ذلك الوقت، بدا من الواضح بالفعل أن فيروس «كوفيد» تفشى في أرجاء البلاد.
وجاءت إجراءات الصحة العامة للفترة المتبقية من عمر الجائحة مربكة بالقدر ذاته، ولا تستند في الغالب إلى العلم. وربما لم تفلح التقسيمات الزجاجية ولا الأسهم التي تشير إلى اتجاه واحد داخل محال البقالة في إنقاذ أي أرواح. وشكّل الإلزام بارتداء أقنعة حماية الوجه محور جميع القواعد المعنية بمواجهة الجائحة، وثمة دلائل قوية تشير إلى قدرة أقنعة «إن ـ 95» و«كيه إن – 95» على الحماية – لكن فاعلية الأقنعة المصنوعة من القماش وأقنعة الجراحة التي ترتديها غالبية الناس لا تزال محط شكوك. لقد كانت لفتة فارغة من أي معنى حقيقي في الغالب أن تطلب من الناس ارتداء الأقنعة من وإلى طاولات المطاعم. حتى الاختبارات السريعة التي كانت حجر الزاوية في سياسة الرئيس جو بايدن افتقرت إلى المعلومات المفيدة حول كيفية تفسير النتائج.
اللافت، أن الرسائل الموجهة إلى الجمهور بشأن السلامة من الوباء كانت في الغالب «متناقضة وغير مفهومة»، طبقاً لما ذكره أستاذ السياسة العامة بجامعة كارنيجي ميلون، باروخ فيشوف، في مقال بدورية «فورين بوليسي»، الخريف الماضي. إلى جانب ذلك، كال بعض الخبراء الاتهامات إلى الجمهور بأنهم «أنانيون» أو «غير عقلانيين» أو «أميون علمياً» على نحو لا يمكنهم من استيعاب الرسائل العلمية الصادقة.
وعندما أجريت مقابلة مع فيشوف، هذا الربيع، قال، إن سنوات من البحث في التواصل بشأن المخاطر توضح فائدة إظهار الأسس العلمية التي تقوم عليها السياسات والقواعد الجديدة للناس. ويؤدي عدم القيام بذلك إلى ترك بعض الناس «يشعرون بأن حياتهم تعطلت دون سبب وجيه، بينما يشعر آخرون أنهم تعرضوا للخطر دون داعٍ»، على حد تعبيره.
الحقيقة، أن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها ومنظمة الصحة العالمية تدينان باعتذار للرأي العام عن البطء الشديد في قبول الأدلة التي تؤكد أن فيروس «كوفيد – 19» ينتقل بشكل أساسي من خلال جزيئات صغيرة محمولة جواً يمكن أن تصيب الأشخاص عبر مسافات طويلة في الأماكن المغلقة. وبسبب الإبطاء في الاعتراف بأن «كوفيد» محمول جواً، أصبح من الصعب على مسؤولي الصحة العامة تقديم نصائح ذات مصداقية للجمهور. ومع ذلك، حتى هذه اللحظة، لا تزال نصائح الصحة العامة قائمة على الفكرة التي جرى دحضها، وهي أنك في أمان طالما بقيت على بعد ست أقدام من الأشخاص الذين لا يرتدون أقنعة.
على سبيل المثال، لا تزال توصيات الحجر الصحي الصادرة عن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها تعرف مسألة التعرض على أنه قضاء أكثر عن 15 دقيقة داخل نطاق ستة أقدام من شخص مصاب. إلا أن خطر الوجود في الغرفة نفسها مع شخص مصاب ينطوي على خطر أعلى بكثير عن الوجود في نطاق ست أقدام بالخارج.
في هذه المرحلة، قد تكون التوصيات الذكية والموجهة جيداً أكثر قدرة على إنقاذ الأرواح عن القواعد الإلزامية المشوشة. ونحتاج إلى بيانات أفضل حول المخاطر النسبية لتناول الطعام في المطاعم في الهواء الطلق وداخل الأماكن المغلقة، والمخاطر المرتبطة بأنواع مختلفة من المتاجر وصالونات تصفيف الشعر وصالات الألعاب الرياضية، فضلاً عن وسائل النقل العام والتجمعات في المنزل. وعندما تبدأ الحالات في الارتفاع، يمكن لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إنقاذ الأرواح من خلال إصدار تحذيرات واضحة حول أكثر الأماكن والنشاطات التي تنطوي على المخاطرة الأكبر – حتى وإن كانت هذه التحذيرات مضرّة بصناعة المطاعم أو صناعات أخرى.
ويمكن للوكالة كذلك أن تعمل بشكل أفضل في إعلامنا بكيفية حماية الآخرين في الوقت الذي نستمر في العودة إلى أرجوحة الحياة. قد يتضمن ذلك معلومات محدثة حول كيفية تحديد ما إذا كنت قد تعرضت للخطر، بناءً على أحدث فهم لانتقال الهواء ووقت حضانة الفيروس، والذي عادة ما يكون أقصر مما كان يُعتقد في السابق.
لماذا لا نبتكر فئة جديدة فيما يخص التعرض المحتمل للفيروس، بحيث ترتبط بارتياد فعاليات كبيرة داخل أماكن مغلقة، مثل تناول الطعام داخل مطعم مغلق ومزدحم أثناء موجة ارتفاع في أعداد الإصابات؟ ويمكن تجنب وقوع العديد من الحالات إذا اتخذ الأشخاص في هذه الفئات بعض الاحتياطات الإضافية على الأقل لبضعة أيام بعد ذلك الحدث، مثل تجنب الأشخاص الذين لا يزالون عرضة لخطر الإصابة.
ومع أن البعض يتصرفون كما لو أنهم سئموا من اتخاذ الاحتياطات وعلى استعداد لقول خطر الإصابة بـ«كوفيد»، فإن الكثيرين غيرهم يرغبون فقط في العودة إلى الحياة الطبيعية مع اتخاذ إجراءات معقولة للحماية. وتدين لنا السلطات المعنية بالصحة العامة بتيسير تحقيق ذلك.
ترجمة: الشرق الأوسط