بقلم: د. ياسر عبد العزيز – المصري اليوم
الشرق اليوم – السودان الشقيق يمر بأوقات صعبة، إذ يبدو أن الظروف الداخلية والخارجية تحالفت من أجل تعزيز الضغوط عليه، حتى إن بعض مراكز التفكير ووسائل الإعلام الدولية رأت أن الأوضاع الحالية في البلاد تمثل وصفة أنموذجية للاضطراب.
لا يحتاج الأمر إلى كثير من البحث لمعرفة حجم الضغوط التي يعانيها السودان، فإضافة إلى ارتفاع نسبة التضخم إلى مستويات غير مسبوقة تعدت الـ 300%، والتدهور القياسي في سعر العملة الوطنية، وغلاء الأسعار، وغياب بعض السلع الضرورية، واضطراب الخدمات الحيوية، تشهد البلاد موجات متتالية من التظاهر، الذي يتخلله بعض الاشتباكات وأعمال العنف في عديد الأحيان.
وقد انعكست تلك الصعوبات البالغة على شتى مناحي الحياة في السودان، الأمر الذي أدى إلى تردي الحالة الأمنية تحت وطأة المصاعب الاقتصادية وانشغال قوى الأمن في ملاحقة التظاهرات والاحتجاجات، كما تضررت الأوضاع الاجتماعية بشدة، حتى إن بعض الإحصاءات الرسمية تشير إلى ارتفاع كبير في نسب الطلاق لتبلغ سبع حالات في الساعة الواحدة، في بلد ظل يتمتع طويلاً بميراث من الانضباط الاجتماعي والتقدير الواضح لقيمة الأسرة وتماسكها.
لهذه الأزمات أسبابها السياسية بطبيعة الحال، وهي لم تتكاثر وتتفاقم إلا عندما تخلت السياسة عن دورها في تنظيم الشؤون العامة وصناعة التوافق والرضا العموميين، أو انصرفت إلى محاولة تأمين المناصب وامتلاك النفوذ وصيانته من دون أن ترسي استقرارا وتحقق إنجازا يقابل توقعات المواطنين.
والشعب السوداني مُسيس، وفي مختلف طبقاته وفئاته سيمكن أن تلحظ درجة من الثقافة والوعي السياسيين، وقد عرف السودان حياة حزبية نشطة في فترات من تاريخه، ومر بحقبة من الحكم المدني القائم على نتائج الانتخابات، ومع ذلك، فإنه ظل عرضة للانقلابات العسكرية وللإخفاق في تحقيق الإنجازات التنموية منذ استقلاله.
وعلى مدى العقود الثلاثة التي حكم فيها الرئيس عمر البشير، إثر انقلاب عسكري نفذه بمساندة تنظيم «الإخوان»، تم تجريف الحياة السياسية، كما هيمن الإسلاميون على مفاصل الحكم والإدارة العامة، وهو الأمر الذي سبب ضررا بالغا للإنجاز الوطني على مختلف الأصعدة، وأدى إلى انفصال الجنوب، وزعزع مكانة السودان الدولية، وأساء إلى علاقاته التاريخية مع مصر، وأغرق البلد في نزعات من الدوجمائية الدينية، وبدد طاقته في معارك مصطنعة.
وبعد إطاحة البشير في 2019، تم التوافق على مرحلة انتقالية لازمة لتحقيق «الانتقال الديمقراطي» في البلاد، وعبر سلطة تقاسمها الجيش مع المدنيين من القوى الثورية، تعثر الأداء، وزادت المشكلات، وبرز عدم الانسجام السياسي، ما أدى إلى انفراد الجيش بالسلطة في أكتوبر الماضي، في حركة عدتها المعارضة المدنية وقطاعات واسعة من المجتمع الدولي «انقلابا عسكريا»، بينما أكد قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان أنها «محاولة لتصحيح مسار الانتقال السياسي».
ومنذ انفراد البرهان بالسلطة لم توفر المعارضة المدنية جهدا للضغط عليه من أجل الإسراع بتكوين حكومة كفاءات مستقلة، واستيفاء متطلبات العدالة والانتقال السياسي، وإنشاء مفوضيتي الدستور والانتخابات، وصولا إلى انتخابات عامة تؤسس لمرحلة من الحكم المدني.
وتحت وطأة هذا الضغط، يتزايد الحديث عن إمكانية عودة «الإخوان» إلى مواقعهم في ظل احتدام الصراع بين «شريكي» المرحلة الانتقالية، وهو الأمر الذي يستدعى ضرورة تحقيق درجة من التوافق عبر تنازلات متبادلة بين المكون العسكري والقوى الثورية المدنية.
وفي الأسبوع الماضي، زرت السودان ضمن وفد من المجتمع المدني المصري بهدف الالتقاء بمعظم الأطراف الفاعلة على الساحة السياسية، والاستماع إلى وجهات النظر السودانية المتباينة من جانب، ونقل رسالة واضحة إلى السودانيين جميعهم، مفادها أن مصر تقف إلى جانب السودان وتساند كفاحه من أجل تحقيق أهدافه والوصول إلى مكانته المستحقة من جانب آخر.
وخلال تلك الزيارة أمكننا التعرف إلى الكثير من جوانب الأوضاع المجتمعية في هذا البلد العزيز على قلب كل مصري، وقد ظهر واضحاً أن السودان يمر بأوضاع خطيرة وأنه على فوهة بركان، وهو أمر يستدعي مساندة مصرية شعبية ورسمية مُكثفة ومُركزة، لأن استقرار مصر لن يتحقق من دون سودان موحد ومستقر وقادر على حل مشكلاته.