بقلم: ريتشارد هاس
الشرق اليوم– الدبلوماسية أداة من أدوات الأمن الوطني، ويجب استخدامها ليس كخدمة تُـمـنَـح، بل ينبغي لنا أن نستمر في ملاحقتها مع روسيا، ومن الأهمية بمكان استئناف الاجتماعات الخاصة بين كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين من الدول الغربية وروسيا، من أجل الحد من مخاطر سوء التقدير الذي قد يؤدي إلى المواجهة أو ما هو أسوأ.
في خضم أكثر من شهرين من التركيز الإعلامي المكثف على الحرب التي تدور رحاها في أوكرانيا، كانت قصة بعينها موضع تجاهل إلى حد كبير، وفي أواخر شهر أبريل، نفذت الولايات المتحدة وروسيا عملية لتبادل الأسرى، أطلقت روسيا سراح أميركي (جندي سابق في مشاة البحرية) والذي احتجزته قبل نحو ثلاث سنوات، في حين أطلقت الولايات المتحدة سراح طيار روسي سُـجِـن قبل أكثر من عشر سنوات بتهمة تهريب المخدرات.
ما يجعل هذا التبادل جديرا بالاهتمام هو أنه حدث في وقت حيث تسبب العزو الوحشي الروسي لأوكرانيا في دفع العلاقات مع الولايات المتحدة إلى أدنى مستوياتها منذ نهاية الحرب الباردة، واختارت الولايات المتحدة تجنب التورط العسكري المباشر في الحرب، لكنها تبذل قصارى جهدها للتأثير على مسارها، بما في ذلك تزويد أوكرانيا بكميات كبيرة من الأسلحة المتقدمة بشكل متزايد، والمعلومات الاستخباراتية، والتدريب حتى يتسنى لها مقاومة القوات الروسية بنجاح وربما إلحاق الهزيمة بها، كما اتخذت الولايات المتحدة خطوات لتعزيز قوة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وفرض عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا.
من المتوقع أن تستمر الحرب لبعض الوقت، ورغم أن مصلحة أوكرانيا الجوهرية تتمثل في إنهاء الحرب ومنع المزيد من الموت والدمار، فإن رغبة الرئيس فولوديمير زيلينسكي في السلام مشروطة، إنه يسعى إلى استعادة الأراضي التي تحتلها روسيا وضمان احترام سيادة البلاد حتى تتمكن أوكرانيا بين أمور أخرى من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، كما يريد محاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب.
من جانبه، يحتاج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تحقيق نتيجة تبرر غزوه المكلف خشية أن يبدو ضعيفا ويواجه انتقادات شديدة في الداخل، فهناك فرصة ضئيلة أن يجري التفاوض على اتفاق سلام من شأنه أن يسد الفجوة بين هذين الموقفين اللذين يبدو من غير الممكن التوفيق بينهما، لكن الأرجح هو أن الصراع سيستمر ليس لأشهر فحسب، بل لسنوات مقبلة، وستكون هذه هي خلفية العلاقات الأميركية والغربية مع روسيا.
قد يتمثل أحد الاحتمالات بالنسبة إلى الغرب في ربط العلاقة مع روسيا بأكملها بأفعال روسيا في أوكرانيا، لكن هذا لن يكون التصرف الصواب، لأن روسيا قادرة على التأثير على مصالح غربية أخرى، مثل الحد من القدرات النووية والصاروخية لدى إيران وكوريا الشمالية، ونجاح الجهود العالمية الرامية إلى الحد من الانبعاثات المسببة لتغير المناخ.
النبأ السار هنا، كما تُـظـهِر عملية تبادل الأسرى، هو أن الخلافات العميقة بشأن أوكرانيا لا ينبغي لها أن تمنع إدارة أعمال مفيدة للطرفين إذا كان الجانبان على استعداد لتقسيم الأمور إلى فئات مستقلة، لكن حماية إمكانية التعاون الانتقائي تتطلب دبلوماسية معقدة ومنضبطة.
بادئ ذي بدء، يتعين على الولايات المتحدة وشركائها العمل على تحديد الأولويات بل حتى الحد من الأهداف في أوكرانيا، وهذا يعني نبذ الحديث عن تغيير النظام في موسكو، وينبغي لنا أن نتعامل مع روسيا كما هي عليه، وليس روسيا التي نفضلها، ربما يأتي الطعن في موقف بوتين من الداخل (أو قد يخضع تحت وطأة التحديات الصحية) لكن الغرب ليس في موقف يسمح له بتصميم عملية عزله، ناهيك عن ضمان حلول شخص أفضل في محله.
على نحو مماثل من الحكمة أن تؤجل الحكومات الغربية الحديث عن محاكم الحرب لكبار المسؤولين الروس وأن تتوقف عن التباهي بمساعدة أوكرانيا في استهداف كبار الجنرالات الروس والسفن الروسية، فالحرب والتحقيقات جارية، ويجب أن يرى الروس بعض الفوائد في التصرف بمسؤولية، وينطبق الشيء نفسه على التعويضات.
بالمثل، على الرغم من أن روسيا من المرجح أن تجد نفسها في حال أسوأ اقتصاديا وعسكريا نتيجة لشن هذه حرب التي اختارت أن تخوضها، ينبغي لحكومة الولايات المتحدة أن توضح أن هدف أميركا، على عكس تصريحات وزير الدفاع لويد أوستن، ليس استغلال الحرب لإضعاف روسيا، بل على العكس من ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تؤكد أنها تريد إنهاء الحرب في أقرب وقت ممكن بشروط تعكس وضع أوكرانيا كدولة مستقلة ذات سيادة.
أما عن الحرب الدائرة في أوكرانيا، فينبغي للغرب أن يستمر في تقديم الدعم لأوكرانيا ومنع التصعيد من خلال تجنب القتال المباشر، لكن الكرملين يجب أن يفهم أن هذا القيد مبني على عدم إقدامه على توسيع الحرب لتشمل إحدى الدول الأعضاء في الناتو أو استخدام أسلحة الدمار الشامل، عند هذه النقطة تختفي مثل هذه الحدود التي يفرضها الغرب على ذاته.
ينبغي للغرب أيضا أن يدرس بعناية أهدافه الحربية وكيفية ملاحقتها، ويجب أن يكون الهدف هو سيطرة أوكرانيا على جميع أراضيها، لكن هذا لا يبرر بالضرورة محاولة تحرير شبه جزية القرم أو حتى كل منطقة دونباس الشرقية بالقوة العسكرية. قد يكون من الأفضل السعي وراء بعض هذه الأهداف من خلال الدبلوماسية والتخفيف الانتقائي للعقوبات، ولكن إلى أن يتغير سلوك روسيا، يجب أن تظل العقوبات سارية، بل يجب أن تمتد لتشمل الواردات من الطاقة التي تمول المجهود الحربي الروسي.
الدبلوماسية هي أداة من أدوات الأمن الوطني، ويجب استخدامها ليس كخدمة تُـمـنَـح، بل ينبغي لنا أن نستمر في ملاحقتها مع روسيا، ومن الأهمية بمكان استئناف الاجتماعات الخاصة بين كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين من الدول الغربية وروسيا، من أجل الحد من مخاطر سوء التقدير الذي قد يؤدي إلى المواجهة أو ما هو أسوأ، ولاستكشاف فرص التعاون المحدود.
قد لا يتسنى إقامة علاقات بـنّـاءة مع روسيا إلا بعد فترة من رحيل بوتين، لكن هذا لا يغير بأي حال من الأحوال مصلحة الغرب في منع هذه العلاقات من التدني إلى مستوى بعينه في هذه الأثناء.
الدبلوماسية
روسيا
الغرب
الأمن الوطني
الحرب