بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم – الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي دائم الشكوى من بطء استجابة القادة الأوروبيين لطلبات كييف في مواجهة الهجوم الروسي. فهو تارة يشكو المستشار الألماني أولاف شولتس وطوراً يحمل على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في حين هو في حال سخط دائم على رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بسبب العلاقة الوثيقة التي تربط الأخير بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. والزعيم الأوروبي الوحيد الذي يحظى بإشادات متوالية من المسؤولين في كييف، هو رئيس الوزراء البولندي ماتيوس موارفتيسكي بسبب مواقفه الحادة من روسيا، قبل الحرب وبعدها.
منذ بدء الهجوم الروسي في 24 شباط (فبراير) الماضي، بدأ تذمر زيلينسكي من ألمانيا، لأنها كانت مترددة قبل الحرب في إرسال أسلحة إلى أوكرانيا انطلاقاً من تقليد عملت به برلين بعد الحرب العالمية الثانية ويقوم على عدم إرسال أسلحة من صنع ألماني إلى مناطق يدور فيها نزاع.
وعلى رغم التبدل الذي حصل في الموقف الألماني في الأسابيع التي تلت الحرب، إذ بدأت برلين في إرسال صواريخ مضادة للدروع وأخرى مضادة للطائرات إلى أوكرانيا، أثار زيلنسكي موضوع التردد الألماني في الاستغناء عن موارد الطاقة الروسية التي تعتمد عليها برلين بنسبة تفوق الـ40 في المئة، لا بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما لم يتوانَ عن تأنيب القادة الذين حكموا ألمانيا في العقود الماضية، بسبب إقامتهم علاقات اقتصادية وثيقة مع روسيا والتي توجت بخط الأنابيب “نورد ستريم-2″، الذي دشن أواخر العام الماضي، لكن لم يبدأ العمل به بسبب نشوب الحرب والضغط الأميركي.
لم يكتفِ زيلنسكي بذلك، بل طلب من شولتس طرد المستشار السابق غيرهارد شرودر من الحزب الإشتراكي الديموقراطي لأن الأخير يعمل مستشاراً في شركة “غازبروم” الروسية. ومما زاد الطين بلة، كان رفض الرئيس الأوكراني طلباً من الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير لزيارة كييف تضامناً مع أوكرانيا بعد الحديث عن ارتكاب الجيش الروسي فظاعات في مدينة بوتشا بمحيط العاصمة الأوكرانية قبل انسحابه منها في نيسان (أبريل) الماضي.
رفض كييف، حمل شولتس على التضامن مع شتاينماير، وبدا أن العلاقات الألمانية-الأوكرانية على وشك الدخول في أزمة، لا سيما بعدما حمل السفير الأوكراني في برلين إلى الحكومة الألمانية قائمة بالطلبات التي تريد الحكومة الأوكرانية من ألمانيا تلبيتها وخصوصاً نوعية الأسلحة الثقيلة التي تحتاجها كييف في هذا الظرف. وشهدت العلاقات نوعاً ما كسراً للجليد، مع الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك لأوكرانيا قبل أيام.
والانتقادات التي يوجهها زيلينسكي إلى ماكرون تبدو أقل حدة من تلك التي يوجهها إلى القادة الألمان. والعتب الرئيسي للرئيس الأوكراني حيال سيد الإليزيه هو إكثاره من الاتصالات الهاتفية التي يجريها مع بوتين، سواء قبل الحرب أو بعدها. ويعتبر زيلينسكي أن هذه الاتصالات لن تحمل سيد الكرملين على تغيير موقفه.
وانتقد زيلينسكي ماكرون علناً لأن الأخير اقترح الأسبوع الماضي، إنشاء “منطقة سياسية أوروبية” تضم إلى دول الاتحاد الأوروبي كلاً من بريطانيا وأوكرانيا لمواجهة التداعيات التي خلفتها الحرب الروسية-الأوكرانية على القارة.
والمبدأ الذي ينطلق منه ماكرون في اقتراحه هذا يقوم على أن مسألة انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، تحتاج إلى عقود قبل إنجازها، ولذلك من الأفضل البدء الآن بـ”منطقة سياسية أوروبية” كإطار تمهيدي وجامع، للتعاطي مع المرحلة الحالية. الاقتراح الفرنسي لم يعجب زيلينسكي وكرر مطالبته بانضمام سريع لأوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، ولقي في ذلك، مساندة من رئيس الوزراء البولندي وزعماء دول البلطيق التي تبدي تضامناً كاملاً مع المواقف الأوكرانية. وليس سراً أن الولايات المتحدة نفسها تشجع على انضمام سريع لكييف إلى الاتحاد الأوروبي، وسيلة فعالة لدمج أوكرانيا بأوروبا وإبعادها أكثر من موسكو.