بقلم: أ.د. عبدالله محمد الشعلان – صحيفة “الرياض”
الشرق اليوم – تعتبر اكتشافات “مايكل فاراداي” في مجال الكهرباء عام 1831م بداية عصر جديد في علاقة الإنسان بالكهرباء، وبعد ذلك بنصف قرن تُـوّجت هذه الاكتشافات بالنجاح الباهر الذي حققه فيما بعد العالم الأمريكي “توماس أديسون” بتوليد الطاقة الكهربائية في عام 1880م من محطة توليد كهربائية أقامها في مدينة نيويورك، ومنذ ذلك التاريخ والتقدم التقني المذهل في مجال توليد ونقل وتوزيع واستخدام الطاقة الكهربائية يَـتْرى تباعًا ويحقق إنجازات مذهلة بلغت حدودًا أضحت معها كل أشكال الطاقة الأخرى دون مستوى الطاقة الكهربائية تطورًا واستخدامًا وتوسعًا وانتشارًا.
وفي عصرنا الحاضر أضحت حياة الإنسان مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالكهرباء حتى أنَّ جُلَّ الدراسات التي تُعنَي باستخدامات الطاقة الكهربائية غالبًا ما تعزو نمو الطلب عليها إلى الزيادة المستمرة في عدد السكان وتحسن الاقتصاد وما يصاحب ذلك عادة من امتداد عمراني وتوسع في البنى الأساسية، لذا أصبح الربط بين نمو السكان وتعاظم استهلاك الكهرباء له أهميته الاقتصادية والحضارية كمؤشر صادق ومعيار دقيق على مدى التوسع والتطور في مجالات التنمية المختلفة وعلى مدى ما يتحقق من ارتفاع في مستويات الدخل وأساليب المعيشة حتى أصبح الاعتماد الكلي على الكهرباء ظاهرة مألوفة إلى الحد الذي يصبح معه أيُّ انقطاع في الخدمة الكهربائية أمرًا غير محتمل أو حتى مجرد تحمله نظرًا لما تخلفه تلك الانقطاعات من تكاليف اقتصادية باهظة وآثار نفسية بالغة على كافة المشتركين على اختلاف فئاتهم وقطاعاتهم، لذا فالطاقة الكهربائية قاعدة متينة وركيزة صلبة في عمليات التنمية من حيث تأثيرها المباشر وغير المباشر في عمليات التنمية للسكان بهدف رفع إنتاجيتهم وتحسين مستوى معيشتهم ومضاعفة الناتج الكلي في كثير من القطاعات الصناعية والزراعية والتقنية والطبية والحكومية ووسائط المواصلات ووسائل الاتصالات الأجهزة والمعدات المنزلية، ولذا فلا بد من مقارنة تكاليف الإنتاج بمعدلات الاستخدام في تلك القطاعات ليتم على ضوئه مواءمة التكاليف، ومن ثم الخلوص لتصميم التعرفة المناسبة لسعر الوحدة المستهلكة، كما أن صناعة الكهرباء تتأثر أيضا بحجم ونوعية التسهيلات والإعفاءات والإعانات والقروض التي تقدمها الدولة لقطاع الكهرباء مما يخفض بالطبع تكاليف الإنتاج وبالتالي تخف وطأة التعرفة عن كاهل المستهلك.
ومن البدهي المسلم به أن الوقود (وهو البترول لدينا) يلعب دورًا جوهريًا وحاسمًا في تكاليف الطاقة الكهربائية المنتجة من المولدات، ويمكن تقسيم هذه المولدات وتعريفها حسب استهلاكاتها كما يلي:
المولدات الغازية
تتميز هذه المولدات بتكلفتها الرأسمالية المنخفضة مقارنة بتكلفة الوقود الباهظة ولكن أيضًا مع انخفاض كفاءتها التشغيلية، ويمكن استخدام هذا النوع من المولدات لمجابهة الأحمال ذات النمو المتسارع نظرًا لسرعة إنشائها وتشغيلها في وقت قياسي حيث إن ذلك لا يستغرق وقتا طويلا (20 % وهي الأحمال الذروية)، ولكن نظرًا لتكلفة الوقود العالية لذا يجب توفر مصادر البترول في البلد ذاته مما سيخفف إلى حد ما من تكاليفها التشغيلية، إن أفضل تطبيق لهذا النوع من المولدات هو تغطيتها للأحمال الذروية التي لا تستغرق عادة وقتًا طويلاً من الزمن، كما أن من أهم خصائصها هو إمكانية تشغيلها وإطفائها في وقت وجيز، أما الوقود المستخدم في هذا النوع من المولدات فهو الزيت الخام أو الزيت المكرر أو الغاز الطبيعي.
مولدات الدورة المركبة
يعتبر هذا النوع من المولدات جديدًا نسبياً في المجال التطبيقي، وهو تصميم يستغل الطاقة الحرارية المنبعثة من عوادم المولدات الغازية بدلا من أن تضيع هدرًا ومن ثم استغلالها في إنتاج كمية إضافية من الطاقة الكهربائية، وهذا النوع من المولدات يُحسِّن من كفاءة المولدات الغازية مما يجعلها في حالة أفضل لمجابهة وتغطية أحمال تستغرق وقتًا أكبر من الأحمال القصوى، ولذا فهي قمينة بالتصدي لتلك الأحمال التي يطلق عليها “الأحمال المتوسطة” والتي تستغرق 50% من الزمن التشغيلي لمجابهة الأحمال القائمة، ولقد تم استخدام هذا النوع من المولدات لدينا في المحطة التاسعة التي بنتها الشركة السعودية للكهرباء شمال مدينة الرياض لتنتج حوالي 1200 ميجاوات لتعزيز القدرات الكهربائية المغذية للمنطقة الوسطى.
المولدات البخارية
يعتبر هذا النوع من المولدات من أفضل المولدات المذكورة آنفا من حيث كفاءته التشغيلية العالية، ولكن بالمقابل يحتاج إلى نفقات باهظة لإنشائه نظرًا لما تحتاجه هذه المولدات من بنى أساسية تتمثل في كبر الموقع والتجهيزات والمعدات الأساسية لوسائل التحكم والحماية وتوفر مصادر مائية للتبريد، لذلك فلا بد من إنشائها قرب الأنهار أو البحار، وقد تم إنشاء محطات من هذا النوع في المنطقة الشرقية من المملكة (محطتا غزلان والشعيبة)، وهاتان المحطتان يعول عليهما كثيرا في إمداد قدرات كهربائية إضافية للمنطقة الوسطى عبر خط الربط عالي الجهد (380 كيلوفولت)، حيث رؤي أن من غير المجدي اقتصاديًا بناء أو التوسع في المولدات الغازية في المنطقة الوسطى أخذًا في الاعتبار تكلفتها التشغيلية العالية وكفاءتها الانتاجية المتدنية وبالمقابل فإن المولدات البخارية تتسم بكفاءة عالية من حيث انخفاض تكاليف التشغيل ووفرة حجم الإنتاج، لذا فهي تناسب تغطية الأحمال ذات النمط الثابت والتي تعرف بـ”الأحمال القاعدية أو الأساسية” (أي التي تستمر طوال الوقت أو 100% من الزمن التشغيلي للوحدات).
ولقد صدر تقرير للشركة السعودية الكهربائية كشفت فيه عن نجاحها في تنفيذ عدد من المشاريع الحديثة في مجال توليد الطاقة الكهربائية تعمل بالغاز الطبيعي والوقود الثقيل بدلاً من الديزل والوقود الخام أسهمت في نجاح استراتيجية الشركة لتقليص الاعتماد على البترول، إضافة إلى أن تلك المشاريع ساهمت في تحسين الكفاءة الحرارية للنظام الكهربائي والمحافظة على الموارد الطبيعية للمملكة من خلال تخفيض استهلاك الوقود واستخدام تقنيات متقدمة وذات كفاءة عالية، إلى جانب تبني خيارات التشغيل الاقتصادي الأمثل للمولدات وتحسين مستويات الموثوقية والكفاءة لها وللمنظومة الكهربائية بشكل عام. كما تم إنشاء “محطة جنوب جدة البخارية” التي تعمل بالوقود الثقيل بقدرة (2892) ميجاوات أسهمت في الاستغناء عن العديد من وحدات التوليد الأقل كفاءة في التشغيل والأكثر استهلاكًا للوقود؛ إضافة إلى تحويل المحطة العاشرة إلى تقنية الدورة المركبة ذات الاستهلاك الأقل والكفاءة الأعلى، كما أن الشركة قامت بإنشاء وتشغيل محطة الشقيق البخارية بالمنطقة الجنوبية بقدرة (2640) ميجاوات، لتعزيز موثوقية الخدمة الكهربائية إلى جانب توخي المعايير البيئية، وهي واحدة من أهم وأضخم المشاريع الكهربائية التي تم إنشاؤها وفقًا لأحدث التقنيات العالمية في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية ليس في المنطقة الجنوبية فحسب بل في المملكة بوجه عام حيث حيث تعمل بالوقود الثقيل مما سوف يُسْهم في خفض الاعتماد على البترول والحفاظ على البيئة وفقًا لرؤية المملكة الطموحة 2030.