بقلم: أسامة يماني – صحيفة “عكاظ”
الشرق اليوم – إلى أين تتجه أمريكا..؟ الجواب عن هذا السؤال سوف يوضح أبعاد المشهد الذي يعيشه العالم. فالولايات المتحدة الأمريكية حتى قبل تأسيسها ومن بداية وصول المهاجرين الفارين من أوروبا إلى أرض الأحلام كانت تسعى إلى السيطرة على موارد القارة الأمريكية والقضاء على سكانها الأصليين الذين استقبلوا المهاجرين بالترحيب والمودة، وكان جزاؤهم جزاء سنمار، وهذا المثل يطلق حينما يجازى المحسن بالإساءة، بل القتل! عموماً إن الفلكلور الأمريكي يركز بشكل أساسي على ما يُسمى بـ«الفتح» واستيطان الأراضي.
المشاهد والملموس أن كلمة الكابوي أصبحت عقيدة أمريكية، ومفهوماً أبعد بكثير من معنى الكلمة التي تطلق على رعاة البقر الأمريكيين الشجعان، الذين يتميزون بملابس وأحذية رعاة البقر المعروفين في الغرب. إن مفهوم الكابوي الذي يعتقده الغرب يؤمن بالسيطرة والحق المطلق في المراعي وإنفاذ القانون الذي يسنّه ويوظفه في خدمة مصالحه.
هذا النهج الذي تنتهجه الولايات المتحدة في علاقاتها السياسية والاقتصادية والدولية يقوم على مفهوم الكابوي الذي يعتبر أن له كامل الحق في الموارد المتوفرة في أي مكان في العالم، فالعالم في نظره ما هو إلا مرعى كبير يجب أن يحصل عليه بأبخس الأثمان. كما أن أمنه مقدم على أمن واستقرار الآخر. لهذا نجد العقوبات الأمريكية، غير المبررة، تُستخدم كطريقة ضغط، أكثر قوة وتأثيراً من العمل الدبلوماسي، وأقل عنفاً وتكلفة من الحرب العسكرية، تهدف إلى إحداث تغيير في السلوك السياسي للدول المستهدفة، وإجبار حكامها وشعوبها على الاستسلام للإرادة الأمريكية، وأهم أساليبها: منع تصدير السلع والبضائع، ولا سيما النفط، وحظر الطيران وقطع الغيار، وحظر استيراد الأسلحة والأجهزة، وخاصة الدقيقة والتقنية، وتجميد الأرصدة والأصول المالية في البنوك الأمريكية والعالمية، وعزل النظام المالي للدولة عن النظام المالي العالمي، ومنع دخول الولايات المتحدة الأمريكية. ومع ذلك فالحرب لدى الكابوي الأمريكي خيار مرحّب به حيث لم يسلم منها أي منطقة في العالم تقريباً أما مباشرة أو غير مباشر.
هذا النهج يقود أمريكا إلى فقدان كثير من نفوذها حول العالم وخسارة بعض من شركائها عاجلاً أم آجلاً. إن الرأسمالية التي تبناها الكابوي الأمريكي والديموقراطية التي يرفعها كشعار لن توقف ضياع الكابوي لهيبته وخسران السيطرة على مقدرات العالم.
إن محاولات تبرير واشنطن العدوان يكشف مدى الخطر الذي تشكّله السياسات الأمريكية سواء في الشرق الأوسط أو أوكرانيا، وتوسع الناتو غير المبرر باتجاه روسيا، وما يشكّله من تهديد للسلم والأمن الدوليين يجعلنا نتفهم ما قاله السناتور الجمهوري راند بول: هل تعلم من هو أعظم مروّج للتضليل في تاريخ العالم؟.. حكومة الولايات المتحدة الأمريكية.
إن مصادرة الأموال دون وجه حق يفقد الثقة في الملاذ الآمن الذي كمان العالم ينظر إليه ويعيد العالم إلى قانون الغاب. وما تقوم به واشنطن من إرسال رسائل مزدوجة وسنّ قوانين الكابوي مثل قانون نوبيك التي تناسب مصالحه ضارباً عرض الحائط بالقوانين والأعراف الدولية وجعلها سيفاً مسلطاً على دول الأوبك، كل هذه التصرفات والممارسات تسحب من رصيد الثقة في النظام الغربي، وتستوجب إعادة النظر في مفهوم الاستثمار والنظام المالي والدولار كاحتياطي وما يعني ذلك من واجب الابتعاد عن الدولار الأمريكي والبحث عن ملاذات آمنة وطلب ضمانات غربية غير قابلة للرجوع عنها.
إن رغبة الكابوي الأمريكي في الأضرار بخصومه كما يصرح علناً وزير الدفاع الأمريكي قائلاً: «نريد أن نرى روسيا تضعف إلى درجة أنها لا تستطيع القيام بالأشياء التي فعلتها في غزو أوكرانيا» دليل آخر على أسلوب الكابوي الذي لا يهمه إلا مصالحه فقط وفي هذا السياق، قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إن سياسة ردع وإضعاف روسيا، هي استراتيجية غربية طويلة الأمد، وإن العقوبات وجّهت ضربة خطيرة للاقتصاد العالمي بأكمله. ووفقاً للرئيس بوتين، فإن الهدف الرئيسي للدول الغربية، هو تدهور حياة الملايين من الناس، وأن الأحداث الجارية تضع خطاً تحت هيمنة الغرب العالمية في كل من السياسة والاقتصاد. وكما صرح مندوب الصين لدى الأمم المتحدة: «إن الاستيلاء التعسفي على الاحتياطيات النقدية الأجنبية أو تجميدها هو بمثابة استغلال للاعتماد الاقتصادي المتبادل كسلاح، ما يؤدي إلى مزيد من الشكوك في الاقتصاد العالمي».
لقد حان الوقت للغرب لإعادة النظر في الطريق الذي ينتهجه، وضرورة تعديل المفاهيم التي اختلطت عند اليسار الأمريكي الذي يرغب ويريد فرضه بطريقة الكابوي على العالم وحتى على الداخل الأمريكي. أمريكا تحتاج لأن تتصالح مع نفسها قبل أن تتصالح مع غيرها، فقد فقد الغرب كثيراً من مصداقيته على كافة الأصعدة.