بقلم: جمعة بوكليب – الشرق الأوسط
الشرق اليوم – انتهت انتخابات المجالس المحلية في بريطانيا، وبنتائج لا تبتعد كثيراً على تكهنات المراقبين واستبيانات الرأي العام.
وكما هو معلوم، فقد ذاق المحافظون، في هذه الانتخابات طعم الهزيمة. وبمقتضاها، أضحت لندن إقطاعية عمالية، بعد خسارة المحافظين ثلاثة مجالس، اثنان منهم، يعدان تاريخياً حصنين قويين للحزب. قرابة 500 مقعد في مختلف مناطق بريطانيا، كانت في حوزتهم، ذهبت إلى العمال والديمقراطيين الأحرار والخضر والقوميين الاسكوتلنديين.
وفي شمال آيرلندا، حدث ما كان متوقعاً، وتمكن حزب شين فين، لأوّل مرّة، من الاستحواذ على أكبر نسبة من مقاعد المجلس التشريعي التسعين، وصار من حقهم الاستحواذ على منصب الوزير الأوّل ورئاسة الحكومة المحلية، وجلوس السيدة ميشيل أونيل نائبة رئيس الحزب على كرسي القيادة. هذا الفوز الكاثوليكي، يدخل بالإقليم مرحلة تاريخية جديدة مثيرة للاهتمام في تاريخه منذ انفصاله عن آيرلندا عام 1921. ومن جهة أخرى، يعدّ باعثاً على القلق والخوف مما قد ينجم عنه من تداعيات سياسية وأمنية مستقبلاً، تهدد اتفاق السلام.
هزيمة المحافظين خفف من قسوتها أن العماليين فشلوا في قلب كل المنضدة عليهم، بإخفاقهم في استعادة ما فقدوه من مجالس في شمال إنجلترا، فيما يعرف تاريخياً بمناطق الجدار الأحمر، كان قد افتكّها المحافظون منهم في انتخابات عام 2019. النتائج الأخيرة أبانت، بما لا يدع مجالاً لشك، أن حزب الأحرار الديمقراطيين وحزب الخضر كانا معاً الأكثر حظوة لدى الناخبين، وحظّاً في الانتخابات.
الناخبون، من أنصار حزب المحافظين، وخاصة في مناطق الحزام الأزرق، في جنوب إنجلترا، أغلبهم فضّلوا البقاء في بيوتهم. والذين منهم ذهبوا إلى مراكز الاقتراع، حرصوا على منح أصواتهم لحزبي الأحرار الديمقراطيين والخضر، تعبيراً على عدم رضاهم على تصرفات رئيس الحكومة السيد جونسون فيما صار يعرف بقضية بارتي غيت، وتجاهل الحكومة لهم. وبالنسبة للسيد جونسون، فإن المفرح في الأمر تمثل في فشل منافسه الزعيم العمالي كير ستارمر في إقناع الناخبين بمصداقيته، كما كان يأمل ويتوقع. وأن نسبة ما حظي به حبه من أصوات لا تجعل منه فعلياً تهديداً للسيد جونسون في الانتخابات البرلمانية القادمة.
الانتخابات الأخيرة وضعت حكومة المحافظين أمام معضلتين:
المعضلة الأولى هي مستقبل اتفاق السلام في شمال آيرلندا.
والأخرى عن مستقبل الاتحاد البريطاني.
إذ كيف ستتعامل مع الوضع الجديد في شمال آيرلندا، الذي أسفرت عنه الانتخابات، خاصة أن الأحزاب الاتحادية، رغم اختلافها، تتفق على عدم المشاركة في تقاسم السلطة بالإقليم ما لم تقم الحكومة في لندن بإلغاء البروتوكول الموقّع مع الاتحاد الأوروبي بخصوص وضعية الإقليم بعد توقيع اتفاق «بريكست»؟ فهل ستغامر حكومة السيد جونسون بتنفيذ تهديدها بإلغائه من جانب واحد؟
وكيف تتمكن الحكومة دستورياً، من منع الحزب القومي الاسكوتلندي من إجراء استفتاء ثانٍ في نهاية العام المقبل حول الاستقلال، خاصة بعد تمكن الحزب من توطيد أركانه في الانتخابات الأخيرة؟
مبعث قلق الحكومة البريطانية ناجم عن إدراكها موقف بروكسل، المبدئي والأخير، بعدم الرغبة في العودة إلى مناضد التفاوض لتعديل بنود اتفاق «بريكست»، كما تطالب الحكومة البريطانية. نائب رئيس المفوضية الأوروبية ماروس سفيكوفيتش أعاد التأكيد مؤخراً على هذا الموقف. تشدد بروكسل، وافتقاد موقفها للمرونة، من مراجعة وتعديل بنود البروتوكول حول الإقليم، ربما يدفع بحكومة السيد جونسون إلى تشريع قوانين من جهة واحدة، تخالف بنود الاتفاق الموقع مع بروكسل، لكنها تضمن عدم سقوط نظام الحكم الذاتي ومقاسمة السلطة في شمال آيرلندا، وعدم العودة إلى مرحلة ما قبل توقيع اتفاق السلام عام 1998. ويقيناً، أن ذلك التصرف الأحادي سوف يؤدي إلى الإضرار بسمعة بريطانيا دولياً لخرقها الاتفاق مع بروكسل، وسيؤدي إلى مواجهة سياسية مع بروكسل، تفضي بالأخيرة إلى اتخاذ إجراءات تقود إلى حرب تجارية.
بين مطرقة تهديد الاتحاديين البروتستانت في شمال آيرلندا بعدم المشاركة في الحكم الذاتي ما لم يلغ الاتفاق مع بروكسل، وسندان تشدد بروكسل برفض المطالب البريطانية بتعديل الاتفاق، يتموضع رأس الحكومة البريطانية حالياً.
وربما يرى البعض أن الموقف في بلفاست ليس بخطورة الوضع في اسكوتلندا؛ لأن الحكومة البريطانية قد تجد نفسها عقب انقضاء المدة المقررة مضطرة إلى العودة بالإقليم تحت الحكم المباشر من لندن.
في اسكوتلندا، وبعد أن أكدت نتائج الانتخابات الأخيرة المؤكد، وهو استحواذ القوميين الانفصاليين على الحكومة والبرلمان والمجالس المحلية، أن لا شيء بعد الآن يقف حائلاً أمامهم في تحقيق مطلبهم الاستقلالي، وأن وعدهم الناخبين بإجراء استفتاء ثانٍ على الاستقلال في نهاية العام التالي، صار في حكم المؤكد. وهذا يعني حرفياً تهديداً مباشراً بقرب نهاية الاتحاد البريطاني.