الرئيسية / مقالات رأي / ما المتوقع من زيارة الرئيس الفرنسي المرتقبة للجزائر؟

ما المتوقع من زيارة الرئيس الفرنسي المرتقبة للجزائر؟

بقلم: أزراج عمر  – النهار العربي

الشرق اليوم – خلال الأسبوع الجاري أعلنت الأجهزة الإعلامية الجزائرية أن الرئيس عبد المجيد تبون تواصل هاتفياً مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فور صدور نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية وهنأه بفوزه بعهدة رئاسية ثانية ودعاه إلى زيارة الجزائر ووعد ماكرون بتلبية الدعوة، ويتوقع المراقبون السياسيون أن تتم هذه الزيارة خلال الشهر الجاري.

في ظل أجواء التفاؤل الجزائري أجمعت التعليقات المنشورة في عدد من الصحف الجزائرية التابعة للقطاع الخاص، والمقربة من مراكز صنع القرار في الدولة الجزائرية، على أن العلاقات الجزائرية الفرنسية بدأ الدفء يسري في عروقها نحو تجاوز الأجواء المتوترة منذ إدلاء الرئيس ماكرون بتصريحاته التي شككت في وجود الدولة الجزائرية قبل الاحتلال الفرنسي لها بالشكل الذي نعرفه الآن.

ويفيد البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية الجزائرية بأن الرئيسين تبادلا الكلمات الودية كما تناولا حال العلاقات الثنائية القائمة بين البلدين وآفاقها المستقبلية فضلاً عن تبادل وجهات النظر في الأوضاع السياسية المعقدة في ليبيا ومالي بشكل خاص.

وفي الواقع فإن ما تسرب من المعلومات حول تفاصيل المضامين الأساسية التي ناقشها الرئيس ماكرون مع الرئيس تبون قليل جداً ولا يتجاوز العموميات المعتادة والمكررة في التقاليد السياسية والدبلوماسية الجزائرية، ولا يستغرب هذا بطبيعة الحال لأن من عادة الأجهزة السياسية الجزائرية التكتم وعدم نشر تفاصيل القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الكبرى العالقة التي تتطلب تسويات، الأمر الذي يحرم المواطنين الجزائريين من المشاركة في مثل هذه المعلومات وغيرها.

ولقد أدت سياسات التكتم هذه إلى نشر الأمية السياسية والدبلوماسية بين أوساط المواطنين الجزائريين البسطاء وبالتالي إلى اعتماد أطياف المعارضة الحزبية الجزائرية على التكهنات والإشاعات وقراءة ألواح الغيب بدلاً من ممارسة الرقابة على الحكومة وأجهزتها بناء على المعلومات الدقيقة ذات الصلة بالداخل الجزائري أو بعلاقات الجزائر مع الدول الأجنبية.

وبالفعل فإن الجزائريين يجهلون كلية تفاصيل التبادل التجاري ورأسماله المالي بين الجزائر وفرنسا وجراء ذلك يلجأون إلى المراكز الثقافية الفرنسية في الجزائر وإلى موقع وزارة الشؤون الخارجية وأوروبا الفرنسية للحصول على المعلومات الدقيقة التي يريدونها.

مثلاً، هناك قليل من الجزائريين الذين يعرفون شيئاً يذكر عن الحضور الفرنسي في الجزائر مثل عدد القنصليات الفرنسية الموجودة في الجزائر وهي ثلاث قنصليات، والمعاهد التابعة للسفارة الفرنسية والبالغ عددها 6 معاهد، وتعداد الفرنسيين المقيمين في الجزائر والذي يتجاوز 41 ألف نسمة، بالاضافة إلى 450 منشأة فرنسية توفر للجزائريين 40 ألف وظيفة مباشرة و100 ألف وظيفة غير مباشرة. وتملك فرنسا في الجزائر 9 مراكز للتدريب المهني.

وزيادة على ما تقدم، فإن فرنسا تستثمر في الجزائر ما لا يقل عن 1.8 مليار يورو وتحتل المرتبة الأولى من بين المستثمرين في هذا المجال وخارج المحروقات، أما صادراتها إلى الجزائر فتقدر بـ 5 مليارات يورو في عام 2016 ولا يزال هذا الرقم قائماً حتى  الوقت الراهن وبذلك تحتل فرنسا المرتبة الثانية بين زبائن الجزائر، وتستورد الأخيرة من فرنسا بـ 3 مليارات يورو سنوياً، وبذلك يتراوح  إجمالي التبادل التجاري الفرنسي الجزائري بين 8 و 10 مليارات يورو سنوياً.

كما لا تتوافر لدى الجزائريين المعلومات عن الحضور الجزائري على الأراضي الفرنسية ـ إذ تفيد التقارير الرسمية الفرنسية بأن عدد الوزراء الجزائريين المتقاعدين والمقيمين في فرنسا يقدر بالمئات، فضلاً عن 1.7 مليون جزائري مقيمين رسمياً في فرنسا وأغلبهم يحملون الجنسية الفرنسية، بالإضافة إلى ضعف هذا العدد من المقيمين غير المسجلين رسمياً أو من غير الحاملين للجنسية الفرنسية، ومن بين هؤلاء هناك 25 ألف طالب جزائري يدرسون في مؤسسات التعليم الفرنسية.  وهناك 800 اتفاقية مبرمة بين الجامعات الفرنسية والجزائرية وهلم جرا.

بالنظر إلى هذا الحجم الكبير من التعاون الجزائري – الفرنسي في مختلف المجالات الاقتصادية، والتقنية، والتعليمية، والروابط العائلية الإنسانية والاستثمار والعمل وغيرها كثير فإن محاولة الطرف الجزائري أو الطرف الفرنسي نسف أو تجميد مثل هذه  العلاقات المتشابكة سوف يلحق ضرراً بالغاً بالبلدين معاً.

وفي هذا الخصوص يرى المراقبون السياسيون الجزائريون للشأن الفرنسي – الجزائري أن زيارة الرئيس ماكرون المنتظرة قريباً للجزائر ستغلب عليها طقوس التركيز على تبادل وجهات النظر سعياً وراء فتح المزيد من الحوار الذي يمكَن الطرفين من إيجاد الآليات المشتركة لحل المشكلات المحيطة بملف الذاكرة الكولونيالية على مراحل. وفي هذا الإطار يستبعد هؤلاء المراقبون إمكان تقديم ماكرون اعتذاراً رسمياً عن جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر دفعة واحدة أو تقديم وعود التعويض المالي للمتضررين من تلك الجرائم.

وهنا  ينبغي التذكير بأن العلاقات الفرنسية – الجزائرية اهتزت أكثر من مرَة منذ استقلال الجزائر في عام 1962، ولكن سرعان ما عاد الدفء إليها، ولعل السبب في ذلك يعود ضمناً إلى عدم قدرة الجانبين على فكَ الارتباط بينهما اقتصادياً ولغوياً وثقافياً، فضلاً عن عدم قدرة الجزائر على رسم نهجها وتقرير مصيرها بنفسها في علاقتها مع الاتحاد الأوروبي الذي تلعب فيه فرنسا دوراً محورياً وقيادياً وتستطيع التأثير سلباً، إذا أرادت، على مصالح الجزائر داخل هذه المنظومة الأوروبية التي يبلغ حجم التبادل التجاري الجزائري معها نحو 45 مليار دولار سنوياً بما في ذلك ما لا يقل عن  8 مليارات يورو مع فرنسا وحدها. 

وفي الواقع فإن عدم توافق وجهات نظر النظام الجزائري والحكومات الفرنسية المتعاقبة حول تصفية ملف “الذاكرة التاريخية” بالتراضي ليس بالأمر الغريب في التقاليد التاريخية الاستعمارية، إذ إن تجارب التاريخ الكولونيالي برمته تبين بوضوح أن الشعوب التي تعرضت للاستعمار الكلاسيكي على نحو خاص كانت ولا تزال إلى يومنا تختلف جذرياً مع القوى الاستعمارية حول مضامين التجربة الاستعمارية الدرامية ومن النادر أن نجد ما يخالف هذا في مشهد العلاقات الدولة ما بعد الكولونيالية.

ولكن تنبغي الإشارة باختصار شديد  إلى أخطاء الجزائر، التي سبق ذكرها مراراً، في تعاملها مع فرنسا بخصوص  ملف “الذاكرة الاستعمارية”، منذ 1830 إلى عام 1962، ويتلخص الخطأ الأول في إدارة الظهر بعد الاستقلال للنخب الفكرية والإعلامية والسياسية الفرنسية المؤثرة في الرأي العام الفرنسي والتي وقفت سابقاً بنضالاتها المعروفة إلى جانب حركة التحرر الوطني الجزائري فكرياً وسياسياً ومادياً. ولقد أدى تخلي الجزائر المستقلة عن هؤلاء إلى فقدان دعمهم حقها في الكتابة الحقيقية لتاريخ الاستعمار الفرنسي، فضلاً عن فشل الجزائر جراء ذلك التخلي في جمع قوى تلك النخب الفرنسية وتشكيل لوبي جزائري في  الساحة الفرنسية.

أما الخطأ الثاني فألخصه في حصر السلطات الجزائرية تصفية ملف “الذاكرة التاريخية الجزائرية – الفرنسية” في النطاق الرسمي الثنائي، ولقد لعب هذا دوراً سلبياً في  تجميد هذا الملف داخل نفق الدوائر السياسية الرسمية الجزائرية الفرنسية الضيقة الأمر الذي استبعد المجتمعين المدنيين الفرنسي والجزائري من البحث معاً أيضاً عن السبل المشتركة من أجل ترميم هذه الذاكرة.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …