BY: James G. Stavridis
الشرق اليوم – على السطح، يبدو أن البحرية الأوكرانية الصغيرة، التي لا يزيد عدد بحارتها العاملة على 5 آلاف وعدد قليل من القوارب الساحلية الصغيرة، تتفوق عليها القوات البحرية الروسية إلى حد كبير.
يتألف أسطول الكرملين في البحر الأسود من أكثر من 40 سفينة حربية. ويبدو أن الروس مستعدون لعزل الاقتصاد الأوكراني عن الوصول إلى البحر – في إعادة لإنشاء استراتيجية أناكوندا التي استخدمها الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن في القرن التاسع عشر لخنق الكونفدرالية.
لكن النجاح الروسي ليس مضموناً على الإطلاق، حيث أثبت الأوكرانيون بأسهم في عرض البحر مثلما كانوا على اليابسة، وقد بدأوا بالفعل في تنفيذ حفنة من الاشتباكات الناجحة ضد القوات البحرية الروسية.
كيف يبدو العنصر البحري للحرب الأوكرانية في الأشهر المقبلة؟
قبل أكثر من عقد بقليل، زرت ميناء سيفاستوبول في القرم، وتناولت الغداء مع فيكتور ماكسيموف رئيس العمليات البحرية الأوكراني. وتمكنا من المسير على جناح الجسر في سفينته الرئيسية مع مراقبة القوات البحرية الروسية على مسافة ظاهرة من الممر المائي.
كان ذلك قبل اجتياح الروس لشبه جزيرة القرم سنة 2014، ولكن حتى في ذلك الوقت، قال الأدميرال الأوكراني بشكل صحيح: «عاجلاً أو آجلاً، سيأتون من أجل هذا الميناء. وأسطولهم أقوى بكثير من أسطولنا».
في ذلك الوقت، كنت أستبعد فكرة الاجتياح الكامل، لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثبت أنني على خطأ مرتين. سقط ميناء سيفاستوبول في أيدي الروس إلى حد كبير، وهو يعطيهم ميزة متميزة في القتال المحتمل بالبحر.
تملك روسيا أكثر من 30 سفينة مقاتلة قادرة على الوصول الفوري إلى الممرات المائية البالغة الأهمية في شمال البحر الأسود، وتسيطر جزئياً على الأقل على 60 في المائة من ساحل أوكرانيا، من شبه جزيرة القرم عبر بحر آزوف إلى البر الرئيسي الروسي. لقد فقدت أوكرانيا سفنها الحربية الرئيسية، التي تم الاستيلاء عليها أو تدميرها سنة 2014، ويتعين عليها تبني أساليب حرب العصابات… وحتى الآن، فإنها تباشر عملها بصورة جيدة للغاية.
كان الغرق الصادم الذي تعرضت له السفينة الروسية «الطراد موسكفا» الشهر الماضي، مثالاً جيداً على كيفية مباشرة الأوكرانيين الحرب على سواحلهم. فقد استخدموا صاروخ كروز قصير المدى المُنتج محلياً يُسمى «نبتون»، وأخذوا الروس على حين غرة. كما أدى فشل نظام الدفاع الجوي الروسي، علاوة على سوء السيطرة على الأضرار، إلى خسارة الطراد، وبطاريته الثقيلة من صواريخ كروز، ومئات أفراد الطاقم الذين يبلغ عددهم نحو 500 جندي (بحسب الأوكرانيين).
في الأسبوع الماضي، أعلن الأوكرانيون أنهم استخدموا الطائرات المسيّرة التركية الصنع (التي تظهر بشكل متزايد في ساحات القتال على مستوى العالم) في إغراق قاربي دورية روسيين.
كانت النتيجة النهائية لكل من الهجوم على موسكفا وغرق القاربين المسلحين أن الأوكرانيين يعتزمون التنافس في سيطرتهم بالقرب من الساحل. وستكون المعدات الغربية ضرورية بطبيعة الحال – فقد تعهدت المملكة المتحدة تسليم مئات الصواريخ من طراز «بريمستون» المضادة للسفن هذا الشهر – كذلك تكون الاستخبارات الفعلية والاستهداف في الوقت الحقيقي. في الحرب البحرية، حيث لا يمكن للسفن الاختباء خلف تضاريس الأرض، صار هذا الأمر واضحاً بصورة حاسمة. فقد تحولت معركة ميدواي في الحرب العالمية الثانية، على سبيل المثال، لصالح الولايات المتحدة بالكامل استناداً إلى قدرة الاستخبارات الأميركية على توجيه القوة البحرية المتفوقة من حيث العدد.
سوف يكون لزاماً على الروس صياغة استراتيجيات جديدة. وقد يتضمن ذلك استخدام البحر باعتباره «منطقة مُحاطة» للالتفاف حول خطوط المدافعين الأوكرانيين على الأرض، أشبه بالتحرك الجريء من قبل الجنرال دوغلاس ماك آرثر في الهبوط في «إنشون» بشبه الجزيرة الكورية سنة 1950.
وهناك احتمال آخر يتمثل في إغلاق ميناء أوديسا، الميناء الأكثر حيوية في أوكرانيا، في محاولة لعزل الاقتصاد الأوكراني عن الأسواق العالمية. ثالثاً، سيحاول الروس على الأرجح إطلاق النيران الداعمة بكثافة من البحر ضد الأهداف الأوكرانية على الشاطئ – فقد أظهروا مؤخراً، على سبيل المثال، القدرة على إطلاق صاروخ كروز على الأهداف البرية من الغواصة.
وفي محاولة للرد، فإن الأوكرانيين بوسعهم أن يأخذوا درساً من قواتهم البرية، التي دمرت الدبابات والمركبات المدرعة الروسية بالمئات باستخدام أسلحة رخيصة نسبياً وفرها الحلفاء الغربيون. كما أن لدى القوات الخاصة بالبحرية الأميركية مجموعة جيدة من الإمكانات لتعطيل الملاحة، وينبغي إتاحة بعض هذه الأنظمة للأوكرانيين.
يقترح الرئيس جو بايدن تقديم حزمة مساعدات لأوكرانيا بقيمة 33 مليار دولار تشمل معدات الدفاع الساحلي. وتتمتع دول أخرى في حلف الناتو، مثل النرويج، بأنظمة ساحلية جيدة للغاية، يمكنها توفيرها.
كما يجب التفكير في نظام مرافقة السفن التجارية الأوكرانية (وغيرها من السفن التجارية الأخرى) التي تريد الدخول والخروج من أوديسا. وسيكون هذا مماثلاً للعملية «إرنست» لمرافقة التجار خلال الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي. (شاركت بنفسي في تلك الحملات بصفتي ضابط عمليات في طراد أميركي).
من الممكن أيضاً للغرب توفير التدريب اللازم للبحرية الأوكرانية خارج البلاد في مجال الحرب المضادة للسفن، وربما في كونستانتا برومانيا المجاورة (بدأ الرومانيون مؤخراً في توفير منفذ للبضائع الأوكرانية من ذلك الميناء).
عند الطرف الأعلى من طيف المواجهة والمخاطر، قد يفكر الحلفاء في إرسال بعثة بحرية إنسانية لإجلاء المدنيين (أو حتى القوات العسكرية الأوكرانية) من مدينة ماريوبول المنكوبة. واعتبار هذا جهداً إنسانياً من شأنه أن يجعل من الصعب على موسكو مهاجمة السفن المشاركة، لكن يجب أن تكون هذه السفن من المقاتلين المسلحين المستعدين للدفاع عن البعثة.
البحر الأسود الواسع هو في الأغلب مياه دولية. تتمتع السفن الحربية التابعة لحلف الناتو بحرية السفر إلى أي مكان تقريباً، بما في ذلك المياه الإقليمية الأوكرانية ومنطقتها الاقتصادية الخالصة التي تبلغ 200 ميل. ومن غير المنطقي أن نسلم هذه المياه إلى روسيا. بدلاً من ذلك، لا بد من النظر إليها كي تصبح الجبهة الرئيسية التالية في حرب أوكرانيا.
ترجمة: الشرق الأوسط