بقلم: يوسف بدر – النهار العربي
الشرق اليوم – تمثل الهجمات الإرهابية الأخيرة التي شهدتها أفغانستان تحدياً لحكومة “طالبان” التي لم يتجاوز عمرها العام الواحد، وتحدياً آخر لدول الجوار التي راهنتْ على هذه الحكومة وقبلتْ بوجودها والتعاون معها في مقابل تحقيق الاستقرار في هذا البلد الذي مزقته الحروب، بما يدعم الانتقال إلى مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي والتفرغ للمشاريع الإقليمية المشتركة في مجالات الشحن والنقل والترانزيت والتجارة والطاقة والاستثمارات المتبادلة.
وبات السؤال ما إذا كانت حركة “طالبان” قادرة بالفعل على إدارة الدولة الأفغانية في ظل الأزمة الاقتصادية والإنسانية التي تواجهها.
وتمثل الهجمات الإرهابية التي شهدتها البلاد في رمضان الفائت، والتي اقترب ضحاياها من 700 شخص، ونفذها تنظيم “داعش-خراسان” ضد الشيعة والهزارة- إجابة واضحة بأن حكومة “طالبان” غير قادرة على توفير الأمن، وأن شبح الفقر يدفع الأفغان نحو التوحش والانتماء للجماعات المتطرفة التي تتلقى التمويل من الخارج، وأن أفغانستان تتجه نحو العودة إلى سنوات العنف.
وهذا الأمر يفرض على دول الجوار اتخاذ خطوات جادة لرسم الخريطة السياسية داخل أفغانستان؛ خاصة أن التصريحات الأميركية تدل على أن واشنطن تستثمر في هذه الأوضاع بما يسمح لها بإدارة استراتيجيتها تجاه آسيا عبر حرب الوكلاء. فقد حذر رئيس هيئة الأركان الأميركي، الجنرال مارك ميلي، من أن “داعش” يستعيد قوته، إلى جانب جماعات أخرى داخل أفغانستان.
وأيضًا، كان الانسحاب الأميركي السريع وغير المسؤول والأسلحة التي خلفها الجيش الأميركي للجماعات المتطرفة، وارتفاع أعداد “داعش” بعد اقتحام التنظيم للسجون وتحريره لعناصره، مؤشرات على مرحلة قادمة لأفغانستان في خدمة الاستراتيجية الأميركية.
“طالبان-باكستان”
فور تولي نواز شرف رئاسة الوزراء في باكستان، بتأييد من واشنطن، عادتْ الهجمات العسكرية من الجيش الباكستاني على مناطق انتشار حركة “طالبان-باكستان” في منطقة القبائل على الحدود مع أفغانستان. وهو ما أدى إلى عودة التوتر بين إسلام آباد والحكومة في كابول؛ إذ تتهم الحكومة الباكستانية نظيرتها الأفغانية بدعم هذه الحركة، أو التغاضى عن هجماتها ضد الجيش الباكستاني بحجة الانشغال بمواجهة تنظيم “داعش-خراسان”.
وهذا الأمر ينذر بعودة دور الاستخبارات الباكستانية إلى لعب دور قوي داخل أفغانستان؛ خاصة أن حركة “طالبان” لا تعترف بخط “ديورند” لترسيم الحدود بين البلدين. وقد تستغل هذه القضية في إطار تعبئة الشعب الأفغاني نحو قضية قومية، بما يدعم تمكينها من السلطة.
“تحرير بلوشستان”
وينعكس تأثير الأوضاع السيئة وتنامي الجماعات المتطرفة في أفغانستان سلباً على إقليم بلوشستان الواقع في منطقة مثلث الحدود بين جنوب غرب باكستان وجنوب شرق إيران وجنوب أفغانستان، والذي تسكنه أغلبية من عرق قبائل البلوش الذين يعتنقون المذهب السني-الحنفي ويتحدثون اللغة البلوشية. وتنشط داخل الإقليم جماعات انفصالية مسلحة تحت عقائد وأفكار تمزج بين الدين والقومية، منها “جندالله” و”أنصار الفرقان” و”جيش الصحابة” و”تنظيم القاعدة”. فضلاً عن وجود جماعات أخرى تحت راية تحرير بلوشستان.
ويساور باكستان وإيران القلق من تمدد تنظيم “داعش-خراسان”- المتمركز على الحدود الشمالية والشرقية بين أفغانستان والصين- إلى داخل منطقة بلوشستان الغنية بالموارد الطبيعية من الغاز والنفط والمعادن والتي تعاني من الفقر والتهميش. مستغلاً الروح الانفصالية في هذا الإقليم. خاصة أن الجماعات المسلحة لطالما تشن هجماتها هناك من أجل الحصول على الإتاوات من إيرادات الموارد الطبيعية.
فضلاً عن أن هذه الجماعات فرصة لتهديد المصالح الإستراتيجية للصين في هذا الإقليم؛ حيث هناك مشاريع مشتركة مع باكستان، مثل ميناء “جوادر” والمنطقة والممر الاقتصادي. وكذلك الأمر مع إيران، حيث هناك المنطقة الاقتصادية وميناء “تشابهار”، وهي مصالح ترتبط باستراتيجية الصين الاقتصادية “الحزام والطريق”.
“وجه توافقي”
يبدو أن “طالبان” تستفيد من تدهور الأوضاع الأمنية داخل أفغانستان في التذرع بالانشغال بمحاربة “داعش” وطلبها الدعم لمواجهة التحديات الأمنية.
وكذلك هي فرصة لتعزيز موقعها في السلطة بالحفاظ على علاقاتها مع دول الإقليم والعالم القلق من تدهور الأوضاع الأمنية داخل أفغانستان.
وأيضاً فرصة للتخلص تدريجياً من خصومها السياسيين، والبدء في فرض إيديولوجيتها على المجتمع الأفغاني؛ فقد بدأت الحركة في فرض قيودها الدينية على المرأة وأنشطتها في المجتمع من فرض الحجاب وحظر قيادة السيارة والفصل بين الجنسين في المدارس والجامعة.
وأمام هذه التحولات الأمنية والأجواء التي تسيطر على أفغانستان بدأت القوى الإقليمية تقلق من استقرار الوضع لصالح “طالبان” والجماعات المتطرفة والقضاء على الوجوه السياسية التوافقية؛ فبدأت كل من موسكو وطهران تتواصل مع شخصيات توافقية داخل أفغانستان، تضمن من خلالها التأثير على مستقبل البلاد بما يضمن أمنها ومصالحها في الداخل، من ضمنها الرئيس السابق حامد كرزاي، والرئيس السابق للمجلس الأعلى للمصالحة الوطنية عبدالله عبدالله؛ حيث اشترطتْ روسيا على لسان وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، للاعتراف بطالبان؛ وجود هذين الشخصين في تشكيل حكومة شاملة في أفغانستان، وهو أمر تشاركها فيه دول أخرى مثل باكستان وإيران. كما يتواصل السفير الروسي في كابول، ديمتري جيرنوف بشكل دائم مع كرزاي.
وبالنسبة لإيران التي باتت تنظر إلى الأوضاع الأمنية في أفغانستان، على أنها أرضية خصبة لنشاط خصومها ضدها، وعلى رأسهم إسرائيل؛ تتواصل أيضاً سفارتها مع كرزاي. وقدم وزير خارجيتها، عبداللهيان، التهنئة له بمناسبة عيد الفطر بصفته مسؤولاً أفغانياً.
والواضح أن إيران تقود تحركات داخل أفغانستان تدفع إلى تشكيل حكومة شاملة تحت مظلة “طالبان”؛ لإنقاذ الوضع الأمني هناك، وهو ما أعلنه الرئيس السابق بمجلس الشيوخ الأفغاني، فضل هادي مسلميار.
إلى جانب التواصل مع أحزاب معتدلة، مثل حزب “الجمعية الإسلامية” الواسع الانتشار في أفغانستان خاصة بين قومية الطاجيك، والذي يقدم نفسه بصفة الحزب الإسلامي-السني المعتدل، ويتقرب من إيران وروسيا. والذي يعتبر أن رؤيته لإقامة نظام إسلامي برلماني هي الطريق لحل أزمة السلطة في أفغانستان تحت مظلة “طالبان” وتشكيل حكومة ديموقراطية عبر اقتراع صندوق الانتخاب.
كذلك، أعلنت جبهة أحمد مسعود المقربة من إيران، عن تشكيل “المجلس الأعلى لجبهة المقاومة الوطنية”، وذلك لمقاومة حكم “طالبان” والبحث عن مستقبل البلاد في المرحلة المقبلة.
ومثل هذه التحركات السياسية تمثل جبهة ضغط على حركة طالبان لاجبارها على الانصياع لمطلب تشكيل حكومة وحدة وطنية وشاملة. وإن كانت الحركة تتذرع باشتمال تكوينها على عناصر من عرقيات مختلفة؛ لكن واقع الأمر، إنهم يمثلون حركة “طالبان” وأغلبيتهم من عرقية البشتون.
المحصلة
إن دول جوار أفغانستان قد تقبلتْ التعامل مع حكومة “طالبان” من أجل استقرار البلاد، وخشيةً من الإنفلات الأمني في المقام الأول؛ ولكن بعد تصاعد العمليات الإرهابية في الداخل وعلى الحدود مع دول الجوار، وذلك في خدمة القوى الخارجية وخدمة الاستراتيجية الأميركية تجاه آسيا؛ بدأتْ تصر هذه الدول على تشكيل حكومة شاملة، تضمن من خلالها استقرار الأوضاع داخل أفغانستان.
في ظل إصرار “طالبان” على فرض أيديولوجيتها على المجتمع الأفغاني؛ فالجماعات المتطرفة فرصة لها لتصفية خصومها من السياسيين، وفرصة أخرى لتلقيها الدعم الخارجي للقدرة على مواجهة هذه الجماعات.
وهو ما يدفع دول الجوار، خاصة إيران وباكستان وروسيا، للضغط على “طالبان”؛ لتشكيل حكومة شمولية تضمن تحقيق الاستقرار في أفغانستان. ولذلك، فقد سارعتْ هذه الدول للتواصل مع الوجوه السياسية التوافقية في الداخل.
أمام إصرار “طالبان” على فرض حكومة بملامح الشريعة الإسلامية؛ يمثل ذلك فرصة لصعود الأحزاب الإسلامية، خاصة أحزاب الإسلام-السياسي. وفرصة أخرى لظهور حكومة تعددية برلمانية، تخضع لمراقبة نظام “طالبان”.