بقلم: عمرو الشوبكي – المصري اليوم
الشرق اليوم – توقعت اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا وحدثت، وتوقعت انتهاءها في هذه الأيام ولم يحدث، والحقيقة أن التوقع الصحيح أو الخاطئ وارد في مجال التحليل السياسي ما دام ليس جزءًا من بروباجندا موجهة. وربما كان اعتذار أستاذ العلوم السياسية المرموق والكاتب الدكتور أحمد يوسف عن أنه كتب متوقعًا عدم اندلاع الحرب في أوكرانيا فيه احترام للقارئ لا إدانة للرجل الذي كتب ما عبر عن قناعته.
والحقيقة أن التوقع السياسي يختلف عن استشراف المستقبل أو ما سماه البعض علم المستقبليات الذي يقوم على تحليل معطيات لتطور الدول وشكل مجتمعاتها (مصر 2020) والاكتشافات المتوقعة، أما الأول فهو يحلل معطيات الواقع من خلال مدخلات سياسية وعلى ضوئها يتم صياغة مخرجات أو توقعات.
وكان للتقارير الاستخبارية، وخاصة الأمريكية، دور كبير في توقع حدوث الهجوم الروسي الذي توقعه أيضًا كثير من مراكز الأبحاث الأمريكية على خلاف نظيرتها الأوروبية والفرنسية التي كانت أقل حضورًا في التفاعل مع توقع اندلاع الحرب الروسية بما فيها أجهزة الاستخبارات، وهو ما دفع الرئيس الفرنسى لإعفاء مدير المخابرات العسكرية الفرنسية من منصبه لأنه لم يقدم التقارير الوافية حول توقع هذه الحرب.
والحقيقة أن الحرب الروسية على أوكرانيا لم تكن من القضايا المعقدة؛ فلم تمارس موسكو مثلًا الخداع الاستراتيجي الذي قامت به القاهرة قبل حربها في 73، فحشد قواتها على الحدود الأوكرانية كان واضحًا للجميع، صحيح أن هذا الحشد فسره البعض بأنه تلويح بالقوة دون أن يعني بالضرورة استخدامها، وهو توقع لم يحدث لأن روسيا استخدمته عقب فشل كل أدواتها «شبه الناعمة» في تغيير الموقف الغربى من قضية امتداد حلف الناتو إلى البلدان المتاخمة للحدود الروسية، فروسيا تدخلت سلميًّا في أوكرانيا باستفتاء 2014 والذى ضمت على أثره إقليم القرم إلى روسيا، ولم يغير الغرب موقفه من مطالبها برفض توسع الناتو، إلا أنه أعلن رفضه هذه الخطوة وفرض عقوبات محدودة عليها، كما حاصرت روسيا أوكرانيا برًّا وبحرًا وجوًّا لأسابيع طويلة دون أن يسفر ذلك عن تراجع في الموقف الغربي أو التوقيع على اتفاق ينص على حياد أوكرانيا.
ولعل توقعنا باندلاع الهجوم الروسي كان نتيجة عجز أدوات المواجهة «شبه الناعمة» عن تحقيق مطالب أي طرف، وهو ما جعل الحرب حتمية، ويبدو أن الطرفين في حاجة لبعض الوقت لكى يكتشفا أن أدوات الحرب الخشنة لن تحقق في ذاتها مطالب أي طرف وستصل بهم حتمًا لنقطة تفاوض ما زلت أراها قريبة.
التوقعات السياسية «اجتهاد» علمي وليست قراءة كف، وينطبق عليها الحديث الشريف «مَن اجتهد ولم يصب فله أجر واحد ومَن اجتهد وأصاب فله أجران».
ستبقى تداعيات الحرب وتأثيراتها الاقتصادية على بلادنا ودول العالم الحدث الأبرز والجدير بالتوقع في الفترة القادمة.