الشرق اليوم- أن تخرج الطائفية من جحرها مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية اللبنانية في الخامس عشر من الشهر الحالي، ويعمد أرباب الطوائف والأحزاب السياسية إلى النفخ في نارها لشد عصب طوائفها في معمعة التنافس على المقاعد النيابية، فهذا ليس جديداً على الحياة السياسية اللبنانية، بل يمثل “عدة الشغل” في هذه المناسبة.
أزمة لبنان، منذ ولادته العام 1943، أنه قام على “المحاصصة” الطائفية، واستمر ذلك إلى اليوم، ما أدى إلى سلسلة انفجارات سياسية وأمنية في العديد من المراحل، وخصوصاً العام 1958، ثم العام 1975.
بدلاً من أن يكون تعدد الطوائف حالة إيجابية تؤكد التنوع في المجرى الحضاري للشعوب ومنطلقاً للتعايش والتسامح في إطار الهوية الوطنية الواحدة، فإن زعماء الطوائف وأرباب السياسة حولوها إلى هويات فرعية قاتلة.
ففي لبنان أكثر من ثماني عشرة طائفة، لها أكثر من ثلاثين حزباً وحركة وتياراً طائفياً، وكلها تعمل تحت قيادات دينية أو سياسية، باستثناء بعض الأحزاب العلمانية التي تعمل في بيئة طائفية صعبة ومعقدة، وتحاول أن تكون نقيضاً للحالة الطائفية والمذهبية المستشرية، لكنها تصطدم دائماً بحائط صد طائفي لا تستطيع اختراقه.
لبنان في الواقع أمام معضلتين، الأولى تتمثل في النظام السياسي القائم، والثانية في قانون الأحزاب. المعضلتان تشكلان أزمة وجودية للبنان، من المفترض التوصل إلى صيغة حل تجنب لبنان الوقوع في أزمات شبيهة بما جرى خلال العامين 1958 و1975، وذلك من خلال إعادة النظر بكل من الدستور وقانون الأحزاب، من خلال استعادة العمل بدستور اتفاق الطائف، ووضع قانون جديد للأحزاب يحظر قيام أحزاب وتيارات طائفية ومذهبية خالصة.
في اتفاق الطائف الذي وضع العام 1989، هناك نصوص واضحة تؤكد “العيش المشترك”، وضرورة وضع قانون انتخاب خارج القيد الطائفي وعلى أساس النسبية، كما ينص على “إلغاء الطائفية السياسية كهدف وطني يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية، وإلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الكفاءة والاختصاص في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية”.
كان من المفترض أن تشكل هذه النصوص التي أصبحت جزءاً من الدستور رافعة تخرج لبنان من قوقعة الطائفية، وتضع اللبنانيين على سكة الولاء للوطن فقط، والخروج من عباءة الطوائف التي أرادوها بديلاً للوطن.
ورغم مرور 33 عاماً على هذا الاتفاق، إلا أن شيئاً منه لم يطبق، ذلك أن قوى الأمر الواقع، وزعماء الطوائف، وقادة الأحزاب، وبعض رجال الدين، وقفوا سداً منيعاً للحؤول دون تطبيقه، لأنهم يفقدون أدوارهم وهيمنتهم وسلطتهم على البلاد والعباد، ويختارون من الاتفاق ما يبقيهم في مواقعهم ويؤبّد ديمومتهم.
في ظل وضع كهذا، يتوجه اللبنانيون في الداخل والخارج خلال الأيام القليلة القادمة لاختيار ممثليهم ال 128 في برلمانهم العتيد.