الرئيسية / مقالات رأي / تحدّيات روسيا ستزداد صعوبة في أوكرانيا والحرب ستؤثّر في حسابات الشّرق الأوسط

تحدّيات روسيا ستزداد صعوبة في أوكرانيا والحرب ستؤثّر في حسابات الشّرق الأوسط

بقلم: رياض قهوجي – النهار العربي

الشرق اليوم- لم تستطع الآلة العسكرية الروسية والمفترض أنها تعود لثاني أقوى جيش في العالم ولقوة عظمى، حسم الحرب في أوكرانيا، رغم مرور أكثر من شهرين. بل على العكس، فقواتها تتقدم يوماً في منطقة وتخسر مواقع في يوم آخر. فهي ملتحمة مع القوات الأوكرانية على طول الجبهة الشرقية والجنوبية في ما يشبه بحرب استنزاف ممزوجة بحرب خنادق، فيما تخسر بسرعة ما بقي لها من مواقع قليلة في الجبهة الشمالية – الشرقية قرب مدينة خاركيف.

وحتى القوة الأوكرانية المحاصرة في مدينة ماريوبول لم تستسلم ولا تزال تقاوم حتى اللحظة. هذا في وقت تضاعف دول حلف الناتو، وعلى رأسها أميركا، مساعداتها العسكرية لأوكرانيا كماً ونوعاً تصاعدياً، ما ينبئ بصعوبات إضافية على القوات الروسية في حرب ستكون آثارها كبيرة على أوروبا والعالم بأسره، ولن يكون الشرق الأوسط بمعزل عنها.

تتسلم القوات الأوكرانية أسلحة ثقيلة حديثة من مخازن الجيش الأميركي وقوات الناتو. وهذه الأسلحة ستحل تدريجياً مكان بعض أسلحتها الثقيلة القديمة، والتي تعود إلى حقبة الاتحاد السوفياتي، والتي تحتاج إلى ذخيرة روسية غير متوفرة اليوم. كما تخضع مجموعات كبيرة من القوات الأوكرانية لتدريبات سريعة ومكثفة على القتال، واستخدام هذه الأسلحة في معسكرات في أوكرانيا وبريطانيا وبولندا ودول أوروبية أخرى.

يتوقع الخبراء في الغرب أن تظهر أولى نتائج التسليح الغربي لأوكرانيا بالأسلحة الحديثة والثقيلة في شهر حزيران (يونيو) المقبل، بعد أن يكون الجزء الأكبر منها قد وصل إلى جبهات القتال ودخل ضمن حسابات القيادة العسكرية وعملياتها هناك.

لا يبدو أن جهود روسيا في وقف تدفق السلاح الحديث لأوكرنيا تحقق الكثير. فرغم تهديدات المسؤولين الروس لدول الناتو، فإن عمليات التسليح مستمرة وبوتيرة عالية. ومن الملاحظ أن روسيا تكتفي بين الحين والآخر بشن ضربات بصواريخ جوالة تنطلق من غواصات وسفن حربية في البحر الأسود على مواقع في شتى أنحاء أوكرانيا، مستهدفة، بحسب موسكو، مخازن للأسلحة. ويستغرب العديد من المراقبين لماذا لا تستخدم روسيا طائراتها الحربية لشن ضربات بأسلحة ذكية ضد هذه الأهداف أو لاعتراض قوافل تنقل الأسلحة. وبحسب مصادر استخبارية غربية، فإن مرد ذلك يعود إلى انخفاض كبير بالأسلحة الذكية في الترسانة الروسية، ما يضطر الطائرات الروسية لاستخدام قنابل تقليدية غير دقيقة. والسبب الآخر لغياب النشاط الكبير للطائرات الحربية الروسية هو تسلم أوكرنيا منظومات دفاع جوي من دول الناتو، ومن ضمنها بطاريات صواريخ إس-300، ما أفقد روسيا السيطرة الجوية في هذه الحرب. فلقد فقدت روسيا عدداً كبيراً من طائراتها الحربية وطائرات الهليكوبتر في هذه الحرب التي يبدو أنها تتحول سريعاً لتجربة شبيهة بحرب أفغانستان التي هُزم فيها الاتحاد السوفياتي وانهار بعدها بأشهر قليلة.

وما يطلق عليه اسم سلاح ثقيل وحديث يرسل إلى أوكرانيا حتى الآن، هو بالفعل ليس أحدث ما تملكه أميركا أو دول حلف الناتو. فهذه الأسلحة وعلى أنواعها موجودة في الخدمة منذ أكثر من عقد أو عقدين من الزمن. وتعتزم واشنطن تمرير تشريعات تتيح لها استخدام أموال الشخصيات الروسية التي صودرت في المصارف الأمريكية نتيجة العقوبات لتمويل صفقات سلاح لأوكرانيا قد تصل قيمتها حتى 30 مليار دولار. هذا سيمكّن واشنطن من التعاقد مع شركات أميركية لمد دول في أوروبا الشرقية بأسلحة تعوّضها فقدان أسلحة ثقيلة ستنقلها لأوكرنيا، مثل تزويد بولندا بدبابات ام-1 أبرامز الأمريكية، أو ليوبارد-2 الألمانية بدل دبابات تي-72 سترسل إلى أوكرانيا. ووافقت بولندا أخيراً على نقل 200 دبابة تي-72 إلى أوكرانيا، ومن المتوقع أن تمدها بعدد مماثل خلال الصيف بعد أن تمنحها أمريكا ثمن استبدالها.

وسيطبَّق أمر مماثل على دول أخرى، وبالتالي ستساعد أموال الأوليغارشية الروسية على تمويل صفقات لاستبدال دبابات أمريكية وأوروبية الصنع بدبابات دول أوروبا الشرقية التي تعود إلى حقبة الاتحاد السوفياتي. بكلام آخر، ستسخدم واشنطن أموالاً روسية لتمويل الحرب في أوكرانيا وتحديث ترسانة حلف الناتو في الوقت عينه.

تسلم بولندا كميات كبيرة من مدافع الهاوتزر وراجمات الصواريخ مع ذخائرها، والتي سيكون بعضها من فئة الأسلحة الذكية الدقيقة سيمنح أوكرنيا قوة نيران كبيرة ومهمة للتعامل مع الهجمات الروسية. وإذا ما أضيف إلى ذلك، تسلم أوكرانيا كميات كبيرة من دبابات القتال الرئيسية وناقلات الجند المدرعة والعربات المصفحة الهجومية، فهي ستكون قادرة على شن هجمات مضادة على نطاق واسع ضد القوات الروسية. هذا سيزيد من مشكلات القوات الروسية والتحديات التي لم تحتسبها في هذه الحرب، والتي يبدو أنها قد تؤثر في حجم طموحات موسكو ومكاسبها من هذه الحرب.

أما اقتصادياً، فإن روسيا لا تزال قادرة على الصمود بسبب امتلاكها ورقة الغاز في أوروبا حتى هذه اللحظة. إلا أن هناك تحركات خلف الكواليس لقوى أوروبية وأمريكية لنزع هذه الورقة من يد روسيا بأسرع وقت ممكن، ومضاعفة العقوبات على قطاعاتها الاقتصادية كافة من أجل دفع المزيد من الدول في آسيا وأفريقيا للتوقف عن التعامل معها وإلغاء أي عقود تملكها مع روسيا، وتحديداً في مجالات السلاح والنفط والغاز. وهناك تركيز غربي قوي اليوم على الهند لوقف استيرادها النفط والسلاح من روسيا.

ستكون الدول العربية المنتجة للنفط والغاز الرابح الأكبر، إذ إنها ستكون أحد أهم المصادر التي سينتظر منها تعويض النقص الذي سينتج من إقصاء روسيا. كما أن إسرائيل ستعيد إحياء خطة مد أنابيب غاز من حقولها والحقول المصرية باتجاه أوروبا عبر قبرص واليونان. فالدول الأوروبية التي كانت لا تجد فائدة اقتصادية من خط الغاز الإسرائيلي باتت تجده مهماً اليوم، في إطار القرار الاستراتيجي بوقف اعتماد أوروبا على الغاز الروسي. وبالتالي ستزداد الأهمية الاستراتيجية لحقول الغاز والنفط في منطقة شرق البحر المتوسط.

يبدو أن إيران ستُصنّف ضمن الدول الحليفة لروسيا. هذا لن يؤدي فقط إلى عدم التوقيع على الاتفاق النووي الجديد معها، ورفع العقوبات الأميركية عنها، بل سيؤدي مع تفاقم الصراع في أوكرانيا إلى مزيد من الضغوط على طهران، والتي قد تشمل عقوبات أوروبية أو أممية عليها. ستشهد الساحات التي تنتشر فيها الميليشيات الحليفة لإيران تصعيداً أمنياً كبيراً خلال هذا العام. ارتفاع حدّة التوتر بين إسرائيل وروسيا نتيجة تصريحات وزير الخارجية الروسي الأخيرة حول اليهود والنازية، سيدفع إسرائيل خارج خانة الدول الحيادية، لتنتقل إلى موقعها الطبيعي مع الغرب. هذا سيدفعها لأخذ إجراءات وخيارات مصيرية في ما يخص الوجود الإيراني في سوريا ولبنان.

وعليه، فإن دول الشرق الأوسط أمام حسابات وقرارات جديدة لا يبدو أنها ستكون سهلة وعواقبها كبيرة. وسيؤدي حل بعض الخلافات على مستوى القيادة بين بعض الدول العربية الأساسية وواشنطن إلى تفعيل ظهور جبهة قوية أمام الحلف الروسي – الإيراني في المنطقة، والذي لا يبدو أن الصين تريد دخوله بسبب حساباتها الخاصة.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …