بقلم: د.طارق فهمي – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- ينشغل العقل الاستراتيجي الإسرائيلي، والممثل في مراكز وبيوت الخبرة والدراسات بتحديد المخاطر، والتحديات التي تواجه الدولة في المديين القصير والمتوسط مع وضع تصورات استراتيجية ممتدة للمدى الطويل، ولعل مركزي هرتسليا والأمن القوميINSS منوطين بهذه المهمة من بين مراكز بحوث ودراسات أخري موجودة وفعالة، وتعتبر المدخل غير الرسمي لصنع السياسات حيث يعمل بهذه المراكز أفضل العقول السياسية والإستراتيجية في الدولة.
هذه مقدمة مهمة لما هو آت، ويتعلق بقراءة هذه المراكز لمستجدات المشهد السياسي المتجدد تجاه ايران، ومساحات الاتفاق والاختلاف مع الإدارة الأمريكية بخصوص التعامل مع إيران بعد تعثر مسارات التفاوض إثر تركيز الجانب الإيراني على ضرورة شطب الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، وهو ما ترفضه الولايات المتحدة، وتحول الأمر إلى تجاذب أمريكي داخلي عبر عنه بوضوح بعض نواب الكونجرس مؤخرا من رفض تقديم مزيد من التنازلات للمفاوض الإيراني، مع التحذير من تداعيات أي موقف أمريكي بشأن رفع العقوبات، وتأثير ذلك على سوق النفط في ظل ضغوط روسية وإيرانية للتوصل لاتفاق نهائي..
تعكف خلاصات التقييمات المقدمة من خبراء ثقال في المشهد الاستراتيجي الإسرائيلي بالتأكيد على أن التسليم بالاتفاق وتوقيع الإدارة الأمريكية سيتطلب مراجعة الموقف الإسرائيلي ومتطلبات الأمن القومي في هذا الإطار إذ كشفت اللجنة الأمريكية الإسرائيلية التي عقدت مؤخرا بين الجانبين عن استمرار الفجوات في متطلبات كل طرف، إذ تخشي الإدارة الأمريكية من إقدام الحكومة الإسرائيلية على اتخاذ إجراءات انفرادية في مسار عرقلة الاتفاق خاصة أن المستوي الاستراتيجي الإسرائيلي يحذر من رسائل التطمينات التي تعمل عليها إدارة بايدن، ومحاولة التأكيد على عدم وجود مخاطر حقيقية على أمن إسرائيل جراء توقيع اتفاق مع إيران في ظل ما هو معلن من خطوات تحفظ عليها الجانب الإسرائيلي مرارا، وحذر من تداعياتها وخلاصتها أن إيران باتت على مقربة من العتبة النووية، وهو ما قد ينذر بخطر داهم على أمن الإقليم بأكمله.
يحذر المستوى الإستراتيجي في تل أبيب من الاعتماد على الموقف الأمريكي، أو القبول بالوضع المستجد مع إيران كأمر واقع، وهو ما قد يتطلب بالفعل مزيد من الإجراءات لتأمين إسرائيل بأكملها، والحفاظ على وجودها في مواجهة إيران مع عدم الارتكان للتنسيق الجاري مع واشنطن عبر اللجنة المشتركة، أو خارجها أو الاعتماد على وعود الإدارة الأمريكية، ولهذا يؤكد المستوى الاستراتيجي أن إسرائيل قادرة على ردع إيران حتى لو تطلب الأمر الدخول في مواجهة بصورة منفردة.
تدرك الإدارة الأمريكية أن إسكات صوت إسرائيل تجاه توقيع أي اتفاق لن تكفيه إبرام صفقات سلاح، أو تمويل نظام القبة الحديدية، أو زيادة مخصصات تطوير منظومة حيتس، وإنما التجاوب مع المتطلبات الشاملة لإسرائيل، وبما تؤمنها من أي مواجهات مقبلة محتملة مع طهران.
تركز النصائح الموجهة من الاستراتيجيين الإسرائيليين لحكومة نفتالي بينت على ضرورة فصل الاستراتيجي عن السياسي، والتركيز على الأولويات الأمنية المطروحة للدولة، وعدم الاعتماد على الدعم في إطار تبادل المعلومات ولكنه غير ملزم لإسرائيل في الدفاع عن أمنها أي كان شكل الاتفاق الموقع بين واشنطن وطهران، وسواء تم في الوقت الراهن، أو تم تأجيله لما بعد إجراء انتخابات التجديد النصفي، ولهذا لم يكن غريبا تذكير الحكومة الإسرائيلية بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بيجين قد ضرب المفاعل النووي العراقي بقرار انفرادي، وليس بالتنسيق مع الولايات المتحدة وأن إسرائيل مطالبة بالدفاع عن أمنها دون استئذان من أحد، ويضغط المستوي الاستراتيجي على وضع خطوط حمراء جديدة لا يجب تجاوزها مع واشنطن لتأمين متطلباتها الأمنية والإستراتيجية بصورة كاملة الأمر الذي يشير إلى أن إسرائيل، وفي كل الأحوال عليها الدفاع عن وجودها في مواجهة إيران..