بقلم: د. علي الخشيبان – صحيفة “الرياض”
الشرق اليوم – عندما تسأل في مجتمعاتنا، ما هو “تويتر”؟ فإن الإجابات لن تخرج عن محتوى بسيط ينقلك إلى أن “تويتر” هو: (حراج المعلومات والمعارف بكل أشكالها وأنواعها)، فهذا التطبيق يتناول ما يحدث في العالم وما يتحدث عنه الناس. “تويتر” ولد في بدايات العام 2006 كمشروع بحثي أجرته شركة Obvious الأميركية، وقد حقق هذا التطبيق انتشاراً هائلاً كخدمة جديدة، في العام 2007 قامت الشركة الأم بإنشاء شركة “تويتر” التي استقلت وانطلقت لتحصد المتابعين، فبحسب آخر الإحصاءات هناك 1.3 مليار حساب على تطبيق “تويتر”، والحسابات النشطة في “تويتر” 330 مليون حساب، وينشر هذا التطبيق أكثر من 500 مليون تغريدة يومياً بمعدل 350 ألف تغريدة في الدقيقة، وينتشر هذا التطبيق بشكل كبير بين الرجال أكثر من النساء.
“تويتر” يشبه أي تجمع بشري تختلط فيه الأحاديث والمعلومات، ولكن مع التركيز يمكن معرفة الكثير من القصص والأحداث، وهناك تنوع هائل في قصص “تويتر” وحواراته وموضوعاته، وأفضل تعبير يمكن أن نطلقه على “تويتر” في مصطلحاتنا المحلية أنه يشبه عملية الحراج المفتوح على سلع متنوعة فيها الثمين جداً والرخيص جداً، وفيه السلع المغشوشة وغير الحقيقية، الأهم أن “تويتر” مجموعة هائلة من الضخ المعلوماتي، ومعنى هذا أنه للمرة الأولى في تاريخ البشرية يأتي منتج تقني يستطيع أن يستوعب ملايين البشر من ثقافات مختلفة ليتحدثوا في أشياء مختلفة، ولكن الميزة التي تجمعهم هي أنهم أصبحوا جميعاً يستمعون لبعض بطرق مختلفة ومتنوعة، حيث أصبح الاختلاف اللغوي والتواصل الثقافي من مشكلات الماضي نتيجة توفر الترجمة ومحركات البحث القادرة على الإجابة على أي سؤال حول أي معلومة.
تشير الإحصاءات الأخيرة لمنصة “تويتر” إلى أن أكبر الفئات العمرية المستخدمة للمنصة ممن تترواح أعمارهم بين 25-34، وقد شكلوا ما نسبته 38.5 % من مجموع مستخدمي المنصة، ومن الواضح أن عدد مستخدمي هذا التطبيق في تزايد كبير على المستوى الدولي، كما أن تأثيرات منصة “تويتر” تتخذ مساراً مهماً خاصة بعد أن أصبحت رمزية المنصة تأخذ طابعاً سياسياً.
بعد أن اشترى الملياردير الأميركي إيلون ماسك شركة “تويتر” مقابل مبلغ كبير تجاوز الأربعة والأربعين مليار دولار، أصبحت هذه الصفقة الخيالية مثار أسئلة مهمة، خاصة الكيفية التي سوف يؤثر فيها رجل أعمال أميركي بالمسارات الكبرى التي تتحكم بها هذه المنصة الدولية، فهذه الصفقة تجارياً كبيرة إلى درجة تطرح الأسئلة حول مستقبل هذا التطبيق في تحوله إلى إحدى الأدوات التي يمكن لها أن تتحكم بمسيرة العالم دون اعتبارات صارمة.
ماسك قال بالحرف الواحد: إن “حرية التعبير هي حجر الأساس لديموقراطية فاعلة، وتويتر هو ساحة المدينة الرقمية، حيث تتم مناقشة الأمور الحيوية لمستقبل البشرية”، الصيغة التجارية لمنصة “تويتر” تمنحها التأثير على العالم، خاصة أن مالك “تويتر” الجديد يرغب في أن تخف القيود على حرية التعبير، وهذا مؤشر كبير على إمكانية أن تفقد السيطرة على هذه المنصة العالمية التي تضم في جنباتها مواطنين من كل دول العالم بلا استثناء، وهنا أعود إلى الفكرة، التي دائماً ما أرغب في مناقشتها، حول عن نشوء مسار عالمي جديد وصعوده لدول هي “دول النزعة الثقافية”، فأمام هذا التوسع الهائل في كم المعرفة وتبادل المعلومات وانفتاح العالم على بعضه يجب أن تمارس الدول دورها في تكثيف مفاهيم نزعتها الثقافية بجميع مجالاتها السياسية والاقتصادية والمجتمعية، لأنها أمام تيار كبير من المعلومات والثقافات والمعارف القادرة على إرباك كل المجتمعات والثقافات ما لم يكن هناك عمل توعوي مكثف.
المستقبل السياسي لتطبيق “تويتر” أكبر من مستقبله الاقتصادي وأكثر تأثيراً، لأن “تويتر” بهذه الصفقة الخيالية سيعتلي عرش الصفقات المستقبلية لعقد أو عقدين من الزمن، ومستقبل “تويتر” يبدو أكثر بروزاً لكونه نهراً جارياً يمكن لجميع من في العالم الارتواء منه، وفي الوقت ذاته يمكن للعالم أو أجزاء كبيرة منه تلويثه، لذلك فإن فرضية أن “تويتر” أصبح منصة ذات طابع لا يتسم بقيم أو تقاليد محددة.
“تويتر” خليط من كل شيء، وهنا مكمن الخطر في هذا التطبيق الذي يجتاح العالم بلا توقف، لذا يمكن القول: إن مستقبل “تويتر” لا يخصه لوحده بل يخص البشرية، لأن هذا التطبيق يشكل -اليوم- واحداً من أكثر التطبيقات تأثيراً في حياة الشعوب والدول، لهذا لا بد من أخذ هذا التطبيق وتأثيراته على محمل الجد، وتعزيز أسوار النزعة الثقافية المحلية للدولة، وبناء مسارات توعوية صلبة لتحصين المجتمعات من التشكيك في مساراتها السياسية والاجتماعية والثقافية، لأن نهر “تويتر” أصبح قادراً أن يحمل كل شيء وأي شيء بلا قيود وبلا معايير.