بقلم: د. أيمن سمير – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – صدم التقرير السنوي لمعهد السلام الدولي باستكهولم، العالم بالأرقام الجديدة التي نشرها حول سباق التسلح في عام 2021، الذي شهد للمرة الأولى في تاريخ البشرية ارتفاع الإنفاق على التسلح لأكثر من تريليونيْ دولار، ووصل إلى 2113 مليار دولار، فرغم حالة «عدم اليقين الصحي»، وحاجة العالم «للتعافي الاقتصادي»، انجرفت غالبية الدول الكبرى نحو إنفاق المليارات على شراء السلاح، وبناء التحالفات العسكرية الجديدة، وأنفقت 5 دول فقط هي الولايات المتحدة والصين والهند وبريطانيا وروسيا نحو 62 % من الإنفاق العسكري العالمي، فما هي الأسباب التي قادت إلى ارتفاع الإنفاق على التسلح بهذه الأرقام القياسية ؟ وما هي آفاق هذا الإنفاق في السنوات القادمة؟
أسباب
لعل أكثر الأسباب التي قادت إلى هذا الإنفاق التاريخي هو ضعف الإيمان بالقانون الدولي والحلول السياسية والسلمية، وهو ما دفع الدول لحماية نفسها بنفسها عبر شراء السلاح وتعزيز أنظمتها الدفاعية والهجومية، وجاء تشكيل التحالفات العسكرية الجديدة المرتبطة بصراع جيوسياسي في أقاليم مختلفة من العالم بمثابة حافز جديد لشراء مزيد من السلاح، فـ«تحالف الأوكوس» الذي يضم الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا زاد من إنفاقه العسكري بشكل واضح، فزيادة الإنفاق الأمريكي إلى 801 مليار دولار يتفق مع التوجه الأمريكي منذ عام 2012 بإنفاق نحو 3.7 % من الناتج القومي سنوياً، لكن انضمام أستراليا لـ«تحالف الأوكوس» دفعها لرفع إنفاقها العسكري لنحو 31.8 مليار دولار تساوي 4 % من إنفاقها العسكري، كما أن بريطانيا العضو الثالث في «تحالف الأوكوس» سبقت روسيا في الإنفاق العسكري واحتلت المرتبة الرابعة عالمياً، وتكرر نفس المشهد في «تحالف الكواد» الذي يضم الهند والولايات المتحدة وبريطانيا، وانضمت إليه اليابان مؤخراً، فالهند احتلت المرتبة الثالثة عالمياً بنحو 73 مليار دولار، وأخذت اليابان نفس المسار زيادة 7% في ميزانيتها العسكرية وهي أكبر زيادة منذ عام 1972 بسبب خلافاتها مع كوريا الشمالية، وصراعها على جزر سينكاكو مع الصين وتنامي الخلافات مع روسيا حول جزر الكوريل.
على الجانب الآخر واصلت الصين رفع ميزانيتها العسكرية على مدار السنوات الـ27 الماضية ووصلت إلى 293 مليار دولار في عام 2021 بسبب الخلافات مع واشنطن والغرب.
أجيال سلاح
سبب إضافي لتوسع التسلح هو ظهور أجيال جديدة من السلاح، ولهذا ليس أمام الدول إلا شراء الأسلحة الجديدة حتى لا تتراجع قدراتها على حماية نفسها، فالسفن والغواصات البحرية الجديدة أصبحت من مفردات الدفاع المطلوبة عالمياً، لذلك ألغت أستراليا صفقة الغواصات الفرنسية التي تعمل بالطاقة الكهربائية لصالح شراء غواصات أحدث تعمل بالطاقة النووية، كما أن الأجيال الجديدة مثل الجيلين الرابع والخامس من منظومات الدفاع الجوي باتت على أجندة كل جيوش العالم، وارتباط ذلك بالأجيال الجديدة من الطائرات الحديثة والشبح والتي تستطيع الهروب من الرادارات.
سبب آخر للتسلح يعود إلى التخوف من تغيير «المعادلات الدولية» وما يترتب عليها من ضعف المنظومة الدولية التي حكمت العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وخلال الحرب الباردة، ومرحلة القطب الواحد، وسعي كل الدول خاصة القوى الكبرى والدول الإقليمية الفاعلة ليكون لها موطئ قدم في «النظام العالمي الجديد».
عام 2022
المؤكد أن عام 2022 سوف يكون أكثر إنفاقاً على السلاح بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي أطلقت سباق تسلح في وسط وشرق أوروبا، وكل ذلك سوف يكون على حساب رفاهية وسعادة الشعوب في ظل ارتفاع التضخم العالمي والضعف الواضح في سلاسل الإمداد.