الرئيسية / مقالات رأي / هل تعرقل ضغوط الداخل والخارج مشروع قيس سعيّد

هل تعرقل ضغوط الداخل والخارج مشروع قيس سعيّد

بقلم: إبراهيم بوغانمي – العرب اللندنية

الشرق اليوم – لقد بات واضحا أن مسار 25 يوليو الذي سعى رئيس الجمهورية قيس سعيد من خلاله للقطع مع منظومة الحكم السابقة، برلمانا وحكومة، لم ولن يكون سهلا.

ومنذ ذلك التاريخ تتزايد الضغوط داخليا وخارجيا على قيس سعيّد رغم اتخاذه لجملة من الإجراءات والتدابير الاستثنائية قصد التخلص من مؤسسات الحكم التابعة للمنظومة السابقة وإرساء تصورات جديدة لتلك المؤسسات.

وكما هو متعارف عليه في الأنظمة الديمقراطية، تتوزع مؤسسات الحكم بشكل أساسي بين السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومؤسسات وهيئات مستقلة.

لذلك عمل سعيّد على تجميد البرلمان ثم حله وإقالة حكومة هشام المشيشي وتعويضها بحكومة نجلاء بودن وحل المجلس الأعلى للقضاء وتعطيل عمل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وتغيير ملامح الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فضلا عن تغييرات من المنتظر أن تطرأ على ملامح الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري.

غير أن تراجع الدعم الشعبي نسبيا وتآكل الحزام السياسي والمدني حول الرئيس يطرح تساؤلا مهما حول مدى قدرة سعيّد على المضي قدما في مشروعه الهادف إلى إرساء منظومة جديدة، خاصة مع تزايد الضغوط الداخلية والخارجية.

أما داخليا فنرصد العديد من المتغيرات التي من شأنها تعطيل مساعي رئيس الجمهورية، أبرزها تشكيل حزام مناوئ لمشروع الرئيس متكون أساسا من إسلاميين ويساريين اجتماعيين. وفي الحقيقة لا يعد هذا التحالف الإسلامي – اليساري سابقة في تونس، فقد سبق للشقّين التحالف في إطار ما يُعرف بحركة 18 أكتوبر 2005.

نجيب الشابي القيادي بالحزب الديمقراطي آنذاك وسمير ديلو القيادي بحركة النهضة الإسلامية كانا أبرز الشخصيات التي شنت إضراب جوع في 18 أكتوبر إلى جانب آخرين، يعودان اليوم للتحالف في إطار ما يعرف بـ”جبهة الخلاص” التي تضم حتى الآن عشرة مكونات حزبية وسياسية تعمل على التصدي لمشروع قيس سعيّد.

ومما قد يزيد في تشديد الضغوط على سعيّد هو سعي الجبهة لتشكيل “حكومة انتقالية للإنقاذ”.

وبالتوازي مع محاولات التعبئة لتقوية الحزام المناوئ لمسار 25 يوليو، يشهد الحزام الداعم للمسار وهنًا وضعفا واضحين بالنظر إلى مواقف أكثر الأحزاب دعما على غرار حركة الشعب التي انتقد أمينها العام زهير المغزاوي الثلاثاء محاولات تمرير رئيس الجمهورية لمشروعه الخاص بشكل أحادي، معتبرا أن 25 يوليو هو “لحظة لتصحيح المسار”.

أما زميله في الحركة هيكل المكّي المدافع بشراسة في ما مضى عن مسار 25 يوليو نجده في الأسابيع الأخيرة ينتقد توجهات الرئيس والمحيطين به خاصة وزير الداخلية توفيق شرف الدين محذرا من مغبّة تحوله إلى “هشام مشيشي جديد” (رئيس الحكومة الأسبق).

واتهم المكي وزير الداخلية بمعاداة مسار 25 يوليو متفقا في ذلك مع مديرة الديوان الرئاسي السابقة نادية عكاشة التي كانت تمثل أحد أبرز نقاط القوة في “بطانة” سعيّد.

ويعتبر الكثير أن رحيل عكاشة عن القصر الرئاسي لم يكن أبدا في صالح مشروع الرئيس. وهي التي اختارت كسر حاجز الصمت مؤخرا ونشرت تدوينة على فيسبوك اعتبرها الكثيرون “قاسية” على الرئيس.

وهذه الإشارات وغيرها في غاية الخطورة في نظر البعض إذ من شأنها تأليب الأطراف الخارجية والدولية.

وبالفعل بدأت الأصوات تتعالى من الخارج، فمن باريس صرح الرئيس السابق لهيئة الانتخابات والناشط الحقوقي المعروف في الأوساط الغربية كمال الجندوبي قائلا إن الهيئة الجديدة “تخدم مشروع الرئيس قيس سعيد الفردي”.

وقد أعربت الولايات المتحدة الثلاثاء عن قلقها من قرار الرئيس التونسي إعادة تشكيل لجنة الانتخابات. وقبلها عبّر الاتحاد الأوروبي عن “قلقه الشديد” من مسألة حل البرلمان في تونس. كما دعا الاتحاد في بيان إلى “العودة في أقرب وقت إلى العمل الطبيعي للمؤسسات”، وهو ما يشي بحالة من التململ ينظر بها الغرب إلى مسار الأحداث في تونس وصل في بعض المراحل إلى حد التشكيك في المسار الديمقراطي الهش أصلا.

وكان الاتحاد البرلماني الدولي قد عبّر عن اهتمامه بمسألة محاكمات النواب السابقين، مبديا اهتماما خاصا بوضعية رئيس البرلمان المنحل راشد الغنوشي.

من جهتها ورغم الارتباك والحذر البادييْن على الموقف الفرنسي مما يحدث في تونس منذ 25 يوليو، فتحت الصحف الفرنسية أبوابها لمنتقدي سعيّد، من ذلك نشرت صحيفة “لو فيغارو” الاثنين حوارا مع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وصف فيه مسار 25 يوليو بالانقلاب منتقدا إجراءات رئيس الجمهورية الأخيرة.

وإزاء كل هذه الضغوط المسلطة على سعيّد يتساءل العديد من المتابعين عن مدى “صلابته” في الرد عليها وهو ما ترغب في تحقيقه العديد من الأطراف، الداخلية منها بصفة خاصة، لجره إلى ملعب التصريحات والتصريحات المضادة التي قد تُوقع رئيس الجمهورية في أخطاء اتصالية خاصة وأن العديد من المناوئين له لا زالوا يعتقدون أن الرئيس غير بارع على المستوى الاتصالي. وهو أمر إن حدث سيمكنهم من تسجيل نقاط على حساب الرئيس الذي لم يقنع قسما كبيرا من الرأي العام أن إجراءاته ستساعده في الحصول على لقمة عيشه بطرق أسهل مما كانت عليه قبل الخامس والعشرين يوليو 2021.

فإن كان قد خسر جزءا من مسانديه شعبيا ومدنيا وسياسيا وحزبيا، وسمح لمناوئيه بالتقاط الأنفاس، ولم يمنع الأطراف الخارجية من توجيه انتقادات شديدة لسياسته.. هل ما زال بإمكان سعيد تنفيذ برنامجه الذي أفصح عن بعضه وأخفى بعضه الآخر؟ وهو أمر ستحسمه بشكل كبير الانتخابات البرلمانية المبكرة المزمع تنظيمها في السابع عشر من ديسمبر المقبل.

شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …