الرئيسية / مقالات رأي / تراجع غربي أمام روسيا

تراجع غربي أمام روسيا

بقلم: علي قباجة – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – يبدو أن الغرب بدأ بالتراجع أمام وقائع الأرض في أوكرانيا، التي باتت بين فكي كماشة روسيا، بعدما أحكمت سيطرتها مؤخراً على ماريوبول باستثناء مصنعها الذي يتحصن فيه آخر المقاتلين الأوكرانيين، إضافة إلى الكثير من البلدات والمدن، وكان من أوائل القائلين بتفوق روسيا العسكري رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي حذر من أن انتصار موسكو في الحرب بات احتمالاً واقعاً، مشيراً إلى أن بوتين يمتلك جيشاً ضخماً، وهو قادر على حسم المعركة، كما وضع نهاية متوقعة للحرب في نهاية 2023.

تصريحات جونسون يبدو أنها تعبر عما يختلج في صدور معظم قادة الغرب، الذين فشلوا فشلاً ذريعاً في وقف روسيا، وإلحاق هزيمة استراتيجية بها في وقت قياسي كما أملوا، فلا الدعم العسكري المتواصل لأوكرانيا ومدها بأسلحة نوعية، أو حتى العقوبات الاقتصادية التي ترافقت مع حصار سياسي وعزلة دولية، استطاعت أن تدفع موسكو للتفكير في الرجوع خطوة للوراء، بل إنها دخلت بزخم أكبر في الحرب، ووجهت تحذيرات شديدة اللهجة إلى أنها قادرة على خوض معركة أوسع قد تنجرف إلى حرب عالمية في حال واصل الغرب استفزازاته، بل إنها استطاعت أيضاً أن ترد الضربات الاقتصادية الموجهة لها، عبر إجبار الدول المستوردة للطاقة على شرائها بالروبل الروسي عوضاً عن اليورو والدولار، وهو ما أسهم في ارتفاع قيمة العملة الروسية، أما على الصعيد السياسي، فإن لدى «الدب» حلفاء وعلى رأسهم الصين، يعملون على قلب الطاولة على المحور الأوروبي- الأمريكي، وسحب النفوذ من تحت أقدامه في العالم، بما لديه من إمكانيات اقتصادية وعسكرية.

الغرب تعامل مع الحرب بردود فعل غير منسقة، بل يمكن اعتبار الحرب الروسية – الأوكرانية اختباراً حقيقياً لوحدة أوروبا بعدما ظهرت اتجاهات سعت لتغليب المصالح الذاتية في بعض الأحيان، ما أحدث انقساماً حول حجم العقوبات المفروضة على موسكو، فدولة كألمانيا وهي من أهم الكيانات في الاتحاد، ترفض الاستغناء عن الغاز الروسي، بينما وقفت المجر على الحياد، وأيدت بقوة قرار حلف شمال الأطلسي بعدم إقامة منطقة حظر جوي، كما جاهرت بأنها ستعترض على إرسال بعثة سلام إلى أوكرانيا، بينما فرنسا ورغم موقفها الصارم ضد الحرب الروسية، فإنها ضد الانزلاق إلى حرب شاملة، وما زالت تحافظ على «شعرة معاوية» في تعاطيها مع الأزمة، والاتصالات الماراثونية بين ماكرون وبوتين، تصب في هذا المنحى. لكن في المقابل فإن بولندا تتحرك لفرض المزيد من العقوبات على واردات الغاز والنفط والفحم الروسية وإرسال بعثة إنسانية إلى أوكرانيا، وهو ما ترفضه العديد من الدول.

لكن في المحصلة، فإن روسيا ما زالت تحقق انتصارات جوهرية، حتى وإن أخفقت في بعض خططها الميدانية، فهي أظهرت هشاشة أوروبا، وضعفها في مواجهة الأزمات، ثم استطاعت إحداث انقسام بين دولها، وهذا يصب في مصلحتها، كما أنها تسعى لبناء اقتصاد غير مرتبط إلى حد ما بالاقتصادات الأوروبية أو الولايات المتحدة، بينما على الأرض ما زالت تتقدم.

أمام هذه الوقائع التي تصب بمعظمها لصالح روسيا، لم يتبق أمام أوروبا وأمريكا إلا التنازل قليلاً، بتسوية تبدد مخاوف روسيا، وتحفظ لأوروبا ماء وجهها، وتحافظ على أوكرانيا من الدمار، وإلا فإن الأمور تسير باتجاه يجعل أعداء روسيا يخسرون أضعاف خسائرها.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …