بقلم: د. عبدالله الفرج – صحيفة “الرياض”
الشرق اليوم – الأزمة التي نتجت عن الهجوم الروسي على أوكرانيا، أدت إلى الهلع والخوف من انخفاض العرض على مصادر الطاقة، مما أدى إلى زيادة أسعار النفط والغاز، وارتفاع الطلب على الفحم. وهذا يعود بالذاكرة الى المقولة الشهيرة للشيخ أحمد زكي يماني وزير النفط السابق الذي أطلق عبارته التي أصبحت بمثابة الأيقونة التي يستشهد بها في كافة أنحاء العالم: “العصر الحجري انتهى ليس بسبب نقص في الحجارة، وانتهي عصر الفحم ليس بسبب نقص في الفحم، وقد ينتهي عصر النفط ليس لأن النفط قد أصبح قليلاً”.
بالفعل فإن ارتفاع أسعار مصادر الطاقة الرئيسية (النفط والغاز)، قد أدى إلى ارتفاع الطلب على الفحم. فالصين والهند، أسرع اقتصادين في العالم، يبذلان ما في وسعهما لشراء الفحم. وخاصة الهند التي تستورد 85 %. من احتياجاتها في الفحم من الخارج، الذي تعتمد عليه صناعتها بشكل كبير. وهذا بدوره أدى إلى ارتفاع أسعار الفحم، ووصوله إلى أكثر من 300 دولار للطن.
إذاً، فعصر الفحم لم ينتهِ بعد، وخاصة في آسيا التي يتحرك إليها مركز ثقل الإنتاج في العالم. وهذا بدوره سوف يؤدي، إذا ما واصلت أسعار النفط في الارتفاع، إلى زيادة الاعتماد على مصدر الطاقة الأكثر تلويثاً للبيئة من ناحية، وتحسن القدرة التنافسية للمنتجات الآسيوية، التي تعتمد على الفحم بشكل متزايد في عملية الإنتاج من ناحية أخرى. فأسعار الفحم رغم ارتفاعها، لا تزال أقل من أسعار النفط بكثير.
ولذلك ففي الوقت الذي يدق فيه أنصار البيئة واتفاقية المناخ ناقوس الخطر من ارتفاع نسبة التلوث والأضرار التي يلحقها استخدام الفحم والكربون الناجم عنه بطبقة الأوزون، ترتفع في نفس الوقت تنافسية الاقتصاد في البلدان الآسيوية، التي تعتمد على الفحم. وهذا ربما يؤدي إلى توجه جديد في البلدان الصناعية الجيدة، ونشوء لوبي من المدافعين عن استخدام الفحم في الصناعة.
وقد لا يقتصر الأمر على المراكز الصناعية الجديدة والبلدان النامية. فارتفاع أسعار الطاقة سوف يؤثر على الانتخابات النصفية القادمة في الولايات المتحدة، ويؤدي إلى ارتفاع أسهم غير المتحمسين لاتفاقية المناخ على حساب الاقتصاد. بل إن ارتفاع أسعار الطاقة إذا ما استمر، وهذا أمر محتمل، سوف يؤثر على انتخابات الرئاسة القادمة في الولايات المتحدة ويرجح كفة الحزب الذي يضع تنافسية الاقتصاد الأمريكي على رأس أولوياته.
ولكن، هذا التوجه من شأنه أن يؤدي إلى انقسام عالمي: بين مؤيدي اتفاقية المناخ وأنصار البيئة وأحزاب الخضر من ناحية، وأنصار الجدوى الاقتصادية، واستخدام مصادر الطاقة الرخيصة ومن ضمنها الفحم، دونما أخذ تلوث البيئة بعين الاعتبار من ناحية أخرى.