الرئيسية / مقالات رأي / فقاعة طائشة أم رجل الأقدار… ماكرون و”الجنرال الذي يقف وراءه”!

فقاعة طائشة أم رجل الأقدار… ماكرون و”الجنرال الذي يقف وراءه”!

بقلم: محمد حسين أبو الحسن – النهار العربي

الشرق اليوم – تنفست العواصم الأوروبية الصعداء، عقب عودة إيمانويل ماكرون إلى سدة الحكم في الإليزيه. كانت فكرة فوز مارين لوبن حليف فلاديمير بوتين وتعزيز موقع اليمين المتطرف المعادي لأوروبا بمثابة كابوس. بالنسبة إلى الفرنسيين كان الاختيار بين السيّئ والأسوأ. في المقابل يرى ماكرون أن الفوز لا يسكن هواجسه، اعترف أن نتيجة التصويت لا تعطيه شيكاً على بياض في تدبير الأمور، عليه أن ينتظر الانتخابات البرلمانية في حزيران (يونيو) المقبل؛ ويخشى أن تؤدي نتائجها إلى إفراغ فوزه من مضمونه، بمعنى تحويله إلى “بطة عرجاء” على الطراز الأميركي، لبقية حكمه، إلا إذا استأنف الجنرال “حظ” الوقوف وتعديل الكفة لمصلحته، تحت ضغط الظروف الداخلية والدولية خصوصاً الحرب في أوكرانيا، ليعود “رجل الأقدار”!

ابتهاج أوروبي

لم يحظ ماكرون برضا قطاع واسع من الفرنسيين، نال أصوات 58.2 في المئة من الناخبين، فيما حصلت لوبن على 41.8 في المئة. وبينما أعرب الزعماء الأوروبيون عن ارتياحهم لبقاء ماكرون في الإليزيه لولاية ثانية، اعتبر ماريو دراغي رئيس وزراء إيطاليا أن فوز ماكرون خبر رائع لكل أوروبا، من أجل بناء اتحاد أوروبي أكثر تماسكاً. أما المستشار الألماني أولاف شولتس، فقال إن الفرنسيين أرسلوا “إشارة قوية لصالح أوروبا”، وغرد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون: “يسعدني العمل معاً، فرنسا من أقرب حلفائنا”. بل إن قادة ألمانيا والبرتغال وإسبانيا وجهوا دعوة للشعب الفرنسي، عشية الجولة الثانية من الانتخابات، للتصويت لماكرون، “حتى تظل فرنسا منارة للديموقراطية”، وذلك في مقالة مشتركة نشرتها صحيفة “لوموند”، في تدخل سافر بالشؤون الداخلية لبلد أوروبي. حتى أن ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم الخارجية الروسية سخرت من الأمر، وتساءلت: “هل يعني ذلك أنه يمكن لرئيس دولة معينة أن يؤيد مرشحاً للرئاسة في دولة أخرى؟ ألا يُعَدّ ذلك تدخلاً في الانتخابات؟”.

كانت لوبن قد أبدت آراء عنصرية مناهضة للهجرة والمسلمين والاتحاد الأوروبي، وهي تأمل في تحويل الاتحاد الأوروبي إلى حلف، مع سحب فرنسا من القيادة المتكاملة لحلف “الناتو”. وهي تبدي إعجابها بالرئيس الروسي، واعتمدت على قرض من بنك روسي لتمويل حملتها الرئاسية في 2017. تدين الغزو الروسي لأوكرانيا بينما تحذر من خطر العقوبات على الاقتصاد الفرنسي، ما أثار مخاوف الأوروبيين من دخولها الإليزيه.

في ظل المنافسة المتصاعدة بين القوى العالمية الكبرى، يرى الرئيس الفرنسي أن من حق أوروبا أن تتصرف كقوة مستقلة. يحب ماكرون الإكثار من الكلام، على طريقة الزعيم الكوبي الراحل فيدال كاسترو، حول قضايا التمزق في الاتحاد الأوروبي وانكماش اقتصاد القارة والأزمات مع روسيا والصين. مثلاً، حاول التوسط بين روسيا وأوكرانيا، وبين إيران والولايات المتحدة. لم تسفر جهوده عن نتائج مؤثرة، إذ يرتهن نجاحه بعوامل عدة، أبرزها حجم الدعم الذي يتلقاه من بقية الشركاء في الاتحاد الأوروبي.

تشعر عواصم دول البلطيق وشرق أوروبا بقلق إزاء نهج باريس تجاه الروس أو تعاملها معهم، أو مع الصينيين. برغم ذلك فإن “الحظ” يلازم ماكرون، فلا قائد أوروبياً يؤدي دوره… غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي، وتتمنع ألمانيا عن تولي زمام القيادة، وتفتقر الدول الأصغر إلى مشروع أوروبي واضح المعالم. يؤمن ماكرون بأن ضعف أوروبا يقلص دور فرنسا على المسرح الدولي، في ظل تكالب القوى العظمى على الهيمنة. وهو على حق في المجادلة بأن المشاركة في قضايا العالم تقتضي أن تتصرف أوروبا مثل قوة مستقلة، لكن نجاحه يتطلب الحصول على دعم من شركاء أوروبيين آخرين.

السياسة العربية

ولأن قضايا السياسة تشبه “الأواني المستطرقة”، من المتوقع أن تحظى منطقة “الشرق الأوسط” بأهمية متزايدة للدول الكبرى، ومن بينها فرنسا، في ظل الصراع المحتدم بينها وتداعيات الزلزال الأوكراني. يتمتع ماكرون بطابع براغماتي، لكن ربما لا يكون مسموحاً له إلا بالدور الذي يتركه له جو بايدن أو بوتين في المنطقة العربية. صحيح أن ما يعرف بـ”السياسة العربية لفرنسا” المستقلة عن نظيرتها الأميركية نوعاً ما في قضية فلسطين، تمنح فرنسا قرباً عربياً، وشراكات سياسية واقتصادية وعسكرية مع أقطاب المنطقة – يحتاجها الطرفان العربي والفرنسي – كالسعودية والإمارات ومصر، والجزائر والمغرب وتونس، ناهيك بعلاقتها الخاصة مع لبنان، وحضورها القوي في ليبيا وسوريا.

يحاول الرئيس الفرنسي زيادة أصول بلاده الاستراتيجية، من خلال عضويتها في مجلس الأمن الدولي، ووضعيتها كقوة نووية وقدراتها العسكرية، وذلك لاستعادة مكانة باريس الضائعة في الشرق الأوسط؛ لكن التذبذب الذي تعانيه سياسات ماكرون وضغوط المنافسين، كتزايد الحضور الروسي والأميركي والصيني في دول الشرق الأوسط وأفريقيا، بخاصة تلك التي كانت مستعمرات تقليدية لفرنسا، كمنطقة الساحل والصحراء، مثلاً، يجعل من سياسات ماكرون أشبه بفقاعة صابون فارغة طائشة، في أحيان كثيرة، محكوم عليها بأن تهيم على وجهها.

الفرصة الحقيقية بيد ماكرون تنحصر بتقوية البيت الأوروبي وقيادته لتأدية دور الوسيط النزيه في الأزمات سواء الناشبة أو الآتية بين مثلث أميركا – روسيا – الصين. وفي قضايا الشرق الأوسط؛ يسعى ماكرون في ولايته الثانية لممارسة دور أكبر في المنطقة والسعي لتقديم بلاده كقوة توازن من خلال الحوار، وبين الفاعلين في المنطقة وكشريك أساسي وموثوق.

فترة صعبة

يواجه الرئيس الفرنسي تحديات صعبة في فترة حكمه الثانية، هو يدرك ذلك. يصفه أنصاره أنه جريء ومنفتح، ويراه معارضوه “رئيس الأثرياء” صاحب التوجه الليبرالي المتشدد… أخفقت خططه لإصلاح الاقتصاد وتشجيع الأعمال التجارية ورفع سن التقاعد من 62 إلى 65، وتخفيض معدل البطالة من أكثر من 10 في المئة إلى 7 في المئة بحلول 2022، وتضعه الظروف في مواجهة مباشرة مع القيصر فلاديمير بوتين، باعتبار ماكرون رئيساً دورياً للاتحاد الأوروبي. مع ذلك صمد المستشار السابق في بنك روتشيلد أمام عاصفة “السترات الصفراء” وقاوم انعكاسات “البريكست”، وتداعيات كورونا، بيد أن السياسات التي انتهجها سيد الإليزيه خلال السنوات الخمس الماضية، أوجدت جبهة مناهضة له، انعكست في جولتي الانتخابات الرئاسية مع 11 مرشحاً آخرين، في الأولى، ومع لوبن في الثانية التي قدمت نفسها، بوصفها المدافعة عن الذين يعانون التضخم وارتفاع أسعار الكهرباء والوقود والمواد الغذائية.

الفيصل الحقيقي في قدرة ماكرون على إنجاز أهدافه تتوقف إلى حد بعيد على نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة، ومآلات الصراع في أوكرانيا وانتهاء الجائحة. ومن باب التحسب لأسوأ الاحتمالات يعتزم ماكرون (أصغر من تولى الحكم في الجمهورية الفرنسية الخامسة) اللجوء إلى حل “شرق أوسطي” مريح، يتمثل في رغبته بتعديل الدستور لمد فترة الرئاسة من خمس إلى سبع سنوات… في النهاية فرنسا ليست دولة أفريقية أو شرق أوسطية يلهو حاكمها كما يشاء بالدستور، واليمين المتطرف واليسار له بالمرصاد، كما أن “الجنرال حظ” قد لا يكون حاضراً وراءه في كل المعارك!

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …