بقلم: مفتاح شعيب – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – تتباهى القوى الغربية بتزويد أوكرانيا بالأسلحة الفتاكة، متوهمة أن هذا الدعم سيلحق هزيمة عسكرية بالقوات الروسية ويدفع موسكو إلى الانكفاء داخل حدودها، والتخلي عن طموحها باستعادة نفوذها كقوة عظمى لعبت دوراً كبيراً في صياغة عالم ما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، وأملها بأن تكون قطباً له وزن ومكانة في النظام الدولي الجديد.
التخطيط لهزيمة روسيا في أوكرانيا كمن يراهن على دخول إبليس إلى الجنة، فالمسألة من الناحية العسكرية محسومة لاعتبارات عديدة، منها أن موسكو لا يمكن أن تخاطر بسمعتها وتاريخها وهيبتها ومستقبلها وتدخل في حرب إقليمية دون أن تكسبها أو تخطط لها التخطيط الجيد الذي لا يستبعد حتى الدخول في صراع نووي شامل من أجل تحقيق الأهداف السياسية التي من أجلها قامت الحرب. وبناء على هذه الخلفية المتشعبة، ليس من خيار أمام موسكو غير تحقيق نصر بائن يمنحها موقعاً قوياً للتفاوض مع كييف ظاهرياً وواشنطن وحلفائها بعيداً عن الأضواء لتقييم النتائج والنظر في المصالح والمكاسب. ولذلك تتدخل الولايات المتحدة وحلفاؤها ويضعون الخطط لـ«إنهاك» روسيا. وتعهد المؤتمر، الذي انعقد في قاعدة «رامشتاين» في ألمانيا، بإمداد القوات الأوكرانية بالمزيد من الأسلحة الثقيلة والدعم الاستخباراتي من أجل تعقيد مهمة القوات الروسية، ومساعدة كييف على «المقاومة» أو ما يمكن أن يصوره الغرب لاحقا «نصراً» لحفظ ماء الوجه.
الحرب الأوكرانية ستغير أوروبا والعالم، هذه بديهية يجب التعامل معها كنتيجة سياسية آنية، أما التهديدات الصادرة عن هذه الحرب فأكبر من المتوقع، وأخطرها يتعلق بهذه الأسلحة الغربية المتطورة، التي تتدفق إلى أوكرانيا وتتزود بها قوات رسمية وميليشيات غير منضبطة. ومثلما أن كثيراً من هذه الأسلحة سيكون فريسة لضربات الجيش الروسي وبعضها الآخر سيتم استخدامه في المعارك، سيسقط جانب كبير من هذا العتاد المتطور بيد تجار الأسلحة والمهربين العالميين الذين يتسللون مع المرتزقة بذريعة التصدي للهجوم الروسي، بينما الحقيقة اغتنام فرصة لن تتكرر بالحصول على ذخائر خارقة وصواريخ مضادة للطيران وأجهزة الاتصال فائقة التحصين. وقد لا يمر وقت طويل حتى يصل هذا العتاد، أو بعضه، إلى مختلف مناطق التوتر والصراعات عبر العالم، بل إن هذه الأسلحة ستساعد على تفجير نزاعات جديدة في أوروبا ذاتها وليس بعيداً عن أوكرانيا، وهو احتمال أقرب من فرضية هزيمة روسيا.
القوى الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، لها مصلحة عظمى في فشل روسيا، ولكن ما كل ما يتمنى الغرب يدركه خصوصاً في هذه الأوقات، التي تشهد تحولات سريعة وتقلبات «فرط صوتية» تمنع استنساخ التجارب السابقة أو تكرارها. صحيح أن التسليح الأمريكي والغربي لمن كانوا يسمون بـ«المجاهدين» في أفغانستان خلال ثمانينات القرن الماضي ساهم في إنهاك الجيش السوفييتي وعجل بانهيار الإمبراطورية الشيوعية، ولكن الحقيقة المرة أن ذلك التسليح ساهم أيضاً في إنشاء تنظيم «القاعدة» وساعد على انتشار الإرهاب حتى ضرب نيويورك وواشنطن. وأما ما قد ينتج عن السلاح السيّار في أوكرانيا فسيكون خطيراً جداً، وسينحرف عن هدف هزيمة روسيا إلى أهداف أخرى في قلب أوروبا وبقية العالم.