الرئيسية / مقالات رأي / الحرب النووية.. والقناعات الخطأ

الحرب النووية.. والقناعات الخطأ

بقلم: د. أيمن سمير – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- نجحت البشرية طوال نحو 77 عاماً في تجنب الدخول في حرب نووية بعد الاستخدام الوحيد للقنبلة النووية الأمريكية ضد اليابان في مارس/آذار 1945، وعندما اقتربت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق من الاحتكاك النووي على خلفية أزمة خليج الخنازير في كوبا في أكتوبر عام 1962 كانت حكمة الزعيم السوفييتي الأسبق نيكيتا خروشوف، والرئيس الأمريكي آنذاك جون كيندي، حاضرة لنزع فتيل هذه الأزمة. وخلال كل تلك العقود كانت الرؤوس النووية تستخدم في أفضل الأحوال كسلاح ردع وتخويف وليس سلاحاً عملياتياً في الحروب وساحات المعارك.

 لكن تصريح وليم بيرينز مدير المخابرات الأمريكية أمام معهد جورجيا للتكنولوجيا هذا الشهر عن احتمالية استخدام روسيا الأسلحة النووية التكتيكية صغيرة الحجم منخفضة القوة، ثم حديث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن «مخاطر اندلاع حرب نووية الآن كبيرة جداً ولا يجب الاستهانة بها»، يسلطان الضوء لأول مرة على استعدادات حقيقية لدى روسيا من جانب، وحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة من جانب آخر لحرب نووية. فالتعمق في تفاصيل السنوات الثلاث الماضية يكشف طفرة غير مسبوقة في تطوير السلاح النووي لدى الدولتين. فما مدى واقعية نشوب حرب نووية بين روسيا والغرب على خلفية الحرب في أوكرانيا؟

 الأرقام تؤكد أن السنوات الثلاث الماضية شهدت تسارع وتيرة نشر وإنتاج وتطوير القنابل النووية في المعسكرين الروسي والغربي، خاصة بعد انسحاب واشنطن وموسكو من اتفاقية «آي أن إف»، وهي الاتفاقية التي وقعتها مع الاتحاد السوفييتي منذ عام 1987 وانسحبت منها في أغسطس/آب عام 2019، والتي منعت نشر الصواريخ النووية القصيرة والمتوسطة المدى في البر الأوروبي لما يزيد على ثلاثة عقود. وكشفت وثيقة مسربة عن لجنة الأمن والدفاع على موقع الجمعية البرلمانية التابعة لحلف الناتو عام 2019، وكتبها السيناتور الكندي جوزيف داي أن الرئيس دونالد ترامب نشر 150 قنبلة نووية في 5 دول أوروبية من طراز «بي 61»، كما اكتشفت روسيا في أوائل عام 2021 أن الولايات المتحدة تعمل على إضافة 480 قنبلة نووية من الطراز الأصغر التكتيكي «بي 62 – 12» في قواعد الناتو بحلول 2023، ناهيك عن قيام الولايات المتحدة بتحميل 10 طائرات أمريكية من طراز «ثايدر» بالقنابل النووية، وذلك في مناورات «غلوبال» التي أجرتها واشنطن وحلفاؤها الآسيويون في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

 على الجانب الروسي وضعت موسكو التي لديها أكبر مخزون من القنابل النووية في العالم «سيناريو الحرب النووية» ضمن السيناريوهات التي يمكن أن تتمدد أو تصل إليها الحرب الحالية في أوكرانيا، فالجيش الروسي قام بإحراء «المناورات الاستراتيجية» التي تحاكي استخدام الأسلحة النووية قبل أسبوع واحد من اندلاع الحرب الروسية  الأوكرانية في 24 فبراير/شباط الماضي، ولدى روسيا صواريخ مثل «كينجال وتسيركون وكليبر وأسكندر المجنح»، وكلها صواريخ تحمل رؤوساً نووية

 كما أن أحد أبرز أهداف روسيا في الحرب الأوكرانية هو نزع البنية التحتية لمنع استئناف كييف برنامجها النووي. والمعروف أن أوكرانيا كان لديها نحو 1700 سلاح نووي ورثتها من الاتحاد السوفييتي، وتم نزع السلاح النووي من أوكرانيا وكازاخستان وبيلاروسيا بموجب «اتفاقية بودابست» عام 1994، التزاماً وقتها بمعاهدة عدم نشر الأسلحة النووية التي كانت تفرض أن تظل الأسلحة النووية في خمس دول فقط هي أعضاء مجلس الأمن الدائمون.

 الثابت أن الحرب ليست في صالح أحد، وأن أي حرب نووية حتى لو كانت بقنابل صغيرة جداً لن يتوقف تأثيرها على طرف واحد، فإذا كانت أزمة الصواريخ الكوبية أتاحت فرصة تدشين «الخط الساخن» بين واشنطن وموسكو لمنع اندلاع مثل تلك الحروب، وهي حكمة يحتاجها اليوم الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين بمزيد من التواصل حتى لا تتسبب الحسابات الخاطأ لدى كل طرف في اندلاع حرب نووية لا يريدها الطرفان، ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال العودة سريعاً لاتفاقية «آي أن أف»، وتمديد «نيو ستارت» حول الأسلحة الاستراتيجية حتى عام 2031، والعودة من جديد لاتفاقية «السماوات المفتوحة» التي تسمح بمراقبة كل طرف أنشطة الآخر عبر الطلعات الجوية غير المسلحة، والتي انسحب منها الطرفان العام الماضي، مع ضرورة الانخراط بسرعة في الحوار الاستراتيجي الذي توقف منذ يناير/كانون الثاني الماضي.

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …