الرئيسية / مقالات رأي /  هل باتت الحرب النّووية وشيكة؟

 هل باتت الحرب النّووية وشيكة؟

بقلم: هادي جان بوشعيا – النهار العربي
الشرق اليوم – لا شك في أن تاريخ 11 أيلول (سبتمبر) 2001، الذي كان شاهداً على الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة، شكّل منعطفاً أساسياً ونقطة تحوّل جوهرية في العلاقات الدولية وفي طبيعية الصراعات والنزاعات. كذلك يشكل 24 شباط (فبراير) 2022 تاريخَ الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو غزو شنّته روسيا إثر حملة بدأت بعد حشد عسكري طويل، والاعتراف الروسي ب‍جمهورية دونيتسك الشعبية المعلنة من جانب واحد و‌جمهورية لوغانسك الشعبية، أعقبها دخول القوات المسلحة الروسية إلى منطقة دونباس في شرق أوكرانيا في 21 شباط 2022. وفي 24 شباط (فبراير)، وبعد خطاب أعلن فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن عملية عسكرية بهدف “تجريد أوكرانيا من السلاح واجتثاث النازية منها”، بدأ القصف على مواقع في جميع أنحاء البلد، بما في ذلك مناطق في العاصمة كييف.
إذاً، يعتبر الهجوم، لا بل الغزو الروسي لأوكرانيا، منعرجاً كبيراً في طبيعة العلاقات الدولية. غير أن مخلّفات هذا الغزو ستوّلد تأثيرات أكبر بكثير من هجمات 11 أيلول، ومما هي عليه حتى صوغ هذه المقالة، إذ يفصل بين هذين التاريخين قرابة عقدين من الزمن.
ذلك أن الصين، قبل روسيا، تعتبرها فرصة ذهبية لتنفيذ مخططاتها في التوسع حول العالم، ومن أجل أن يكون لها دور أكبر في صوغ السياسات الدولية وما ينتج منها من قرارات ستؤثر حتماً في حاضر البشرية ومستقبلها. ففي الاجتماع الأخير الذي جمع بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الصيني وانغ يي، أعلن لافروف بدء ولادة نظام عالمي جديد، ورغم أن هذا التصريح مرّ مرور الكرام في الإعلام؛ إلا أنه يُعتبر تتمةً لخطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل دخول الجيش الروسي الأراضي الأوكرانية.
علاوةً على ذلك، تتفق روسيا والصين على أن العالم يعيش مرحلة بالغة الخطورة في تاريخ العلاقات الدولية، وعلى أن موسكو وبكين، بالتعاون مع عواصم الدول المتحالفة معهما، ستمضيان في سبيل تحقيق نظام عالمي “متعدد الأقطاب”، ما يعني أن هدف بوتين ليس أوكرانيا فحسب، بل تنطوي نيات القيصر الروسي على إعلان ولادة روسيا جديدة تحت قيادته تكون قادرة على مواجهة الولايات المتحدة ومعها الغرب برمّته. ولن تتوقف هذه الطموحات حتى تخلق عالماً مختلفاً كلياً أو أن تُهزم وتعود إلى فترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
بيد أن السيناريو الثاني يبدو مستبعداً، أقلّه في الوقت الحالي، خصوصاً أن روسيا أعلنت قرب نشر أول وحدة عسكرية مسلحة ومجهزة بصواريخ روسية “مرعبة” يطلق عليها الأميركيون تسمية “الشيطان الثاني 2”.
ولعلّ السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يطلقون عليها هذه التسمية؟
وما السبب الذي دفع الروس لنشرها الآن؟
وكيف سترد واشنطن وحلف شمال الأطلسي “الناتو” على هذا التصعيد؟
وما قصة طائرات “شبح العنقاء” التي صُمِّمت خصوصاً لأوكرانيا؟
ولماذا يسمّيها الخبراء بالدرونات الغامضة؟
ذكرت وكالة تاس TASS الروسية نقلاً عن نائب رئيس الوزراء الروسي ديميتري روغوزين، أن روسيا تعتزم قريباً نشر أول وحدة عسكرية مسلحة بصواريخ “سارمات” ذات القدرات النووية الهائلة، إذ تعتبر من الصواريخ البالستية الثقيلة والعابرة للقارات والتي تعدّ الأقوى من نوعها على مستوى العالم ولا يملك أحد مثلها غير روسيا، بحسب الوكالة الروسية.
وإلى جانب قوتها الفائقة ومداها البعيد جداً، تتميز صواريخ “سارمات” بقدرتها على حمل رؤوس نووية أو مركبات فرط صوتية مدمّرة، بالإضافة إلى قدرتها على حمل الرؤوس المتفجّرة التقليدية، ونظراً إلى ما تتمتع به من صفات مرعبة يطلق عليها الأميركيون تسمية “الشيطان الثاني 2”.
ويأتي هذا الإعلان الروسي بمثابة التهديد لأميركا و”الناتو” واليابان، وذلك بعدما أعلنت وسائل إعلام أميركية عملت على ابتكار سلاح خاص لأوكرانيا، من المزمع وصوله إلى العاصمة كييف ضمن دفعة مساعدات عسكرية أعلنها الرئيس الأميركي جو بايدن، تبلغ قيمتها 800 مليون دولار أميركي، وتشمل نظاماً جديداً للطائرات من دون طيّار، تمّ تصميمه في سلاح الجو الأميركي ويطلقون عليه تسمية “Phoenix Ghost” أي “شبح العنقاء”، والذي صُنع بطريقة تتناسب مع متطلبات المعارك الدائرة الآن بين القوات الروسية والأوكرانية. وعملت القوات الأميركية على تصميمه بحسب رغبة الجيش الأوكراني وحاجاته، وفقاً للمصادر التي سارعت إلى نشر هذا الموضوع.
وطائرات “شبح العنقاء” تعتبر ثاني نظام من ضمن أنظمة الأسلحة الأميركية السرية التي منحتها واشنطن لكييف. إذ إن النظام الأول والذي صدم الروس كان نظام قوارب من دون ملّاحين، على غرار طائرات من دون طيّار تسببت للأسطول الروسي بمفاجأة كبيرة وقتما استخدمها الأوكرانيون في خلال المعارك البحرية. ومن بين المواصفات المعروفة لطائرات “شبح العنقاء” الأميركية أنها طائرات ذات اتجاه واحد وفعّالة ضد الأهداف الأرضية المتوسطة، فيما لا يُعرف أي شيء آخر عن إمكاناتها حتى حينه.
وخلال عملية بحث مطوّلة أجريناها عن المصادر الأجنبية التي نشرت معلومات عن هذا الموضوع، تمكنا من التوصل إلى أن الخبراء والمحللين العسكريين يصفونها بالدرونات الغامضة، ذلك أنه لم تُستخدم في أي معارك سابقة كما لم يسبق لأحد أن رآها. ولهذا السبب ولسواه، ينتظر المراقبون أن يروا ويعاينوا قدراتها الحربية ليقرروا من بعدها إن كانت من الطائرات التي تستطيع قلب موازين الحرب ونتائجها، أم أنها لن تؤثر كثيراً في فوائض القوة الحالية بين روسيا وأوكرانيا.
في الختام، مما لا شك فيه أن إعلان روسيا عزمها نشر صواريخ “سارمات” والتي تعرف بـ”صواريخ الشيطان الثاني 2″ لن يمرّ برداً وسلاماً على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي “الناتو”، رغم أن روسيا أعلنت أن نشر هذه الصواريخ سوف يتمركز في مدينة تبعد نحو 3000 كيلومتر باتجاه شرق موسكو؛ إلا أن الغرب سيعتبر ذلك تصعيداً خطيراً ومقصوداً، وأن بوتين ماضٍ بقوة نحو التجييش النووي.
لذلك سيعمد الغرب إلى نشر المزيد من الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية في أكثر المناطق قرباً من موسكو، والتي تقع تحت سيطرتهم. ولعلّ أفضل طريقة للاقتراب أكثر من موسكو يكمن بتسريع عمليات انضمام الدول الأوروبية الراغبة إلى “الناتو”، وخصوصاً فنلندا التي تربطها حدود طويلة مع روسيا.
ويبقى السؤال الأوسع: هل تتحوّل الحرب الدائرة في أوكرانيا إلى حرب نووية؟!

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …