بقلم: د. عبدالحق عزوزي – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – كما قلنا مرات عدة في مقالات هنا حول الانتخابات الرئاسية الفرنسية، فإن الرئيس المنتهية ولايته السيد إيمانويل ماكرون هو الأوفر حظاً بالفوز في الشوط الثاني من الانتخابات، وهو ما وقع بالفعل، إذ فاز الرئيس الشاب في الانتخابات بحصوله على 58,5 بالمائة من الأصوات، مقابل 41,5 لزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، وهو ما أثار بالطبع موجةً من الارتياح وسط قادة الاتحاد الأوروبي والعالم الغربي الذين اعتبروه انتصاراً للاتحاد، وأعربوا عن سعادتهم بالتعاون مع فرنسا لمدة خمس سنوات أخرى، هي مدة الولاية الرئاسية الثانية لماكرون.
وحمل هذا الاقتراع الذي دُعي إليه 48,7 مليون فرنسي أهميةً تاريخيةً، إذ أن ماكرون أصبح أول رئيس يُعاد انتخابه، منذ جاك شيراك في عام 2002. ولكن مع ذلك تبقى الحياة السياسية في فرنسا أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، خاصةً وأن الناخبين الفرنسيين أبعدوا من الدورة الأولى ممثلي أحزاب اليمين وأحزاب اليسار، كما أن نتائج الرئيس ماكرون في الدورة الأولى جعلته لا يمثّل تقريباً إلا خُمس الساكنة التي صوتت في الاقتراع، علاوة على أن جزءاً كبيراً من الأصوات التي حصل عليها في الدورة الثانية قد أتت من أولئك الذين أرادوا قطع الطريق أمام اليمين المتطرف لكي لا يصل إلى قصر الإليزيه، وهو ما اعترف به ماكرون نفسه في خطابه في احتفال الفوز.
والذي أثار انتباهي أن نسبةَ الكراهية بين الفاعلين السياسيين وصلت مداها، ويكفي أن نستشهد بما قاله زعيم حزب «فرنسا الأبية»، جان لوك ميلنشون، بعد الإعلان عن النتائج الانتخابية الرئاسية في دورتها الثانية، وهو الذي حصل على المركز الثالث في الدور الأول، إذ قال: «إن الفرنسيين اختاروا وضع مستقبلهم بين يدي إيمانويل ماكرون»، معتبِراً ذلك بمثابة خبر سار لوحدة البلاد، لكنه زعم أن ماكرون «أسوأ رئيس يتم انتخابه خلال الجمهورية الفرنسية الخامسة»!
وسيجد الرئيس ماكرون نفسَه مرغماً على التعايش مع الانتخابات التشريعية المقبلة، لأن من مخرجاتها سيعين الرئيس ماكرون رئيسَ الوزراء، ومنها ستكون التحالفات في حلبة صراع يسودها الخوف من المستقبل، خاصةً وأن الولاية الأولى عرفت عاصفة «السترات الصفراء»، وانعكاسات خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وتداعيات وباء فيروس كورونا، وقبل نهاية الولاية الرئاسية الأولى، اندلعت الحرب الروسية في أوكرانيا، ليقود الرئيسُ فرنسا وأوروبا بصفته رئيساً دورياً للاتحاد الأوروبي في مجابهة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
الرئيس ماكرون ملزَمٌ في هذه الفترة من تاريخ فرنسا بـ«تجديد أسلوبه» لكي يكون «رئيساً للجميع»، ولخلق الثقة داخل البلد. وهذا ما عبَّر عنه لأنصاره قرب برج إيفل في باريس بعد إعلان تقديرات النتائج، حيث قال: «هذه المرحلة الجديدة لن تكون تتمةً لخمس سنوات انتهت، وإنما اختراع جماعي لأسلوب على أسس جديدة لخمس سنوات أفضل في خدمة بلدنا وشبابنا».