بقلم: أزراج عمر – النهار العربي
الشرق اليوم – أجرى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الأسبوع الماضي، تغييراً جديداً في الهيكل التنظيمي المركزي لوزارة الخارجية والجالية الجزائرية في الخارج، ووصفت وسائل الإعلام الوطنية هذا التغيير بالشامل، ولكنه لم يمس الوزير رمطان لعمامرة المعروف بسعة ثقافته وحنكته الدبلوماسية.
وفي تقدير عدد من العارفين بأوضاع السلك الدبلوماسي الجزائري الذي تبلغ موازنته السنوية الضعيفة جداً مبلغ 311 مليون دولار، فإن هذا التغيير قد لا يحدث النقلة النوعية والجذرية المنشودة في طقوس العمل الدبلوماسي الجزائري مع دول العالم، من جهة، ومع الجالية الجزائرية، من جهة أخرى، رغم أن هذه الجالية ذات أهمية بالغة من حيث موقعها الاستراتيجي كقوة ضاغطة في الفضاء الفرنسي، وكمنتج للعملة الصعبة التي يحتاج إليها المجتمع الجزائري، ومن حيث تعداد أفرادها الذي يقدر بأكثر من خمسة ملايين نسمة متمركزة في معظمها عبر محافظات المهجر الفرنسي.
وفي المقابل، هناك من يتفاءل بأن يكون لهذا التغيير بعض التأثير الإيجابي في تحريك نشاط السفارات والقنصليات عبر العالم، غير أن هذا التفاؤل مرشح لأن يصطدم بذهنية الحرس القديم داخل أروقة السلك الدبلوماسي، وبالموروث النمطي الذي ما فتئ يكرّس منذ سنوات طويلة غياب الفاعلية داخله. ويمكن تلخيص هذا الموروث في انعدام الفاعلية، ونقص الكفاءة، وعرقلة المبادرات الخلاقة، فضلاً عن غياب التكوين الأكثر حداثة وتطوراً لدى إطارات هذه الوزارة التي لا تعمل وفق خريطة مرسومة المعالم والأهداف ومحددة الآليات، ينبغي تنفيذها برشاقة وذكاء.
إن الوظائف والمهام المستحدثة أسندت مهمة تنفيذها، بحسب الجريدة الرسمية الجزائرية، إلى المديريات ونيابات المديريات المركزية المسؤولة عن إدارة العمل الدبلوماسي على مستوى الدول العربية وأفريقيا وأوروبا وأميركا وأستراليا والاتحاد الأفريقي والدول المغاربية والمشرق العربي والجامعة العربية والجالية الجزائرية في وزارة الخارجية والشؤون القنصلية.
في السياق، يلاحظ المراقب أن هذا التغيير الهيكلي الجديد شمل أيضاً مديريات عدة ونيابات مديريات، أسندت مسؤوليتها إلى عدد من النساء الجزائريات.
إلى جانب هذه المديريات المذكورة، تم أيضاً تعيين أمانة عامة ومستشارين ومديرية متخصصة في الشؤون الإنسانية والاجتماعية والثقافية والعلمية والتقنية الدولية، وهلمّ جرّا.
ولكن لا يخفى على أحد أن هذا الهيكل التنظيمي ليس مبتكراً، بل هو معمول به على مستوى معظم دول العالم.
والجدير بالذكر هنا أن هذا الانفتاح الإيجابي على النساء وإسناد المسؤوليات الكبيرة إليهن تم استجابة لدعوات ومبادرات وضغوط من الخارج، من أجل نزع التمركز الذكوري التقليدي السائد في السلك الدبلوماسي الجزائري.
يبدو هذا الهيكل التنظيمي الإداري الجديد من الخارج كافياً لخلق الديناميكية المطلوبة لتفعيل الممارسة الدبلوماسية الجزائرية مع دول العالم، وقادراً على توفير الظروف الجديدة البديلة التي من شأنها أن تساعد على تجاوز الغبن الذي عانت ولا تزال تعانيه الجالية الجزائرية المقيمة في مختلف بلدان العالم، وبخاصة في فرنسا وبعض الدول الأوروبية التي عرفت ولا تزال تعرف تزايداً في وتيرة هجرة اليد العاملة الجزائرية، وكذلك الكفاءات العلمية في كثير من التخصصات العلمية والتقنية، وفي المقدمة الطب والتمريض.
ولكن قراءة الوضع الحقيقي القائم ضمن أفق بانوراما واقع علاقات هياكل الدولة الجزائرية الرسمية بدول العالم وبالجالية الوطنية المهاجرة، تفضي إلى استنتاجات أقل ما يقال عنها إنها سلبية، ولم تحقق حتى الآن أدنى شرط من شروط المواطنة.
وفي الحقيقة، فإن العارف بالشأن الجزائري العام يدرك ببساطة أن أغلب هؤلاء المديرين والمديرات ونوابهم هم في الغالب عناصر إدارية بحتة غير معروفة بإنجازات جديرة بالذكر، سواء في المشهد الثقافي، أم السياسي، أم الاقتصادي، أم التعليمي، أم في مجال إدارة شؤون الجالية الجزائرية المقيمة في الخارج.
وبالإضافة إلى ما تقدم، يلاحظ أن التكوين الجامعي لمعظم هذه الإطارات تطغى عليه البيروقراطية المغلقة التي كرّستها المدارس العليا الجزائرية، المصممة من حيث الشكل فقط على منوال المدارس العليا الفرنسية، ونذكر منها هنا المدرسة الوطنية للإدارة، والمدرسة العليا للتجارة، والمدرسة العليا لعلوم التسيير، والمدرسة الوطنية المتعددة التقنيات، والمدرسة الوطنية العليا للصحافة وعلوم الإعلام. أما مضامين التدريس ومستويات التأطير البيداغوجي في هذه المدارس العليا الجزائرية، فلا تناظر مضامين التأطير لدى المدارس العليا الفرنسية التي يتخرج فيها رموز الفكر الإداري، والدبلوماسي والعلمي والتسييري المتطور في فرنسا.
ومن الضروري الإشارة هنا إلى أن الشخصيات التي تسند إليها السفارات ومختلف المهام الدبلوماسية الجزائرية طوال أكثر من 55 سنة من الاستقلال، هي عموماً شخصيات تقليدية، بعضها ينتمي إلى فئة قدماء المحاربين ضمن “حركة التحرر الوطني”، وبعضها إلى فئة الوزراء المقالين، وبعضها الآخر من الشخصيات المغضوب عليها والمبعدة من العمل السياسي، وتتميز في الأغلب بكونها غير مثقفة ثقافة عصرية، فضلاً عن نقص التجربة الدبلوماسية، الأمر الذي حال دون الابتكار وتوظيف الآليات الأكثرة حداثة ونجاعة التي بموجبها يصبح العمل الدبلوماسي فعلاً حيوياً مرتبطاً عضوياً بالمشروع الثقافي والسياحي والصناعي والحضاري والتكنولوجي الوطني.