بقلم: عمرو الشوبكي – المصري اليوم
الشرق اليوم – في فرنسا، كما في كثير من دول العالم، لم يعد الانقسام السياسي فقط أو أساسا هو الانقسام بين اليمين واليسار والقوى الاشتراكية والرأسمالية، إنما هناك انقسام أعمق بين يمين قومي متطرف وبين يمين ليبرالي، دون أن يعني ذلك اختفاء اليسار الذي عرف أيضا صورا جديدة ليسار متطرف وخطاب لا يخلو من شعبوية على حساب الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية التقليدية.
واللافت أن الحكم في فرنسا، منذ تأسيس الجنرال ديجول الجمهورية الخامسة في 1958 وحتى الآن، كان دائما بين اليمين واليسار، فاليمين عبر عنه تيار الاتحاد من أجل الجمهورية الديجولي الذي ظل يحكم فرنسا معظم الوقت، باستثناء فترة الرئيسين الاشتراكيين فرانسوا ميتران وفرانسوا هولاند، وجاءت تجربة ماكرون، الذي أسس حزبا جديدا نجح في أقل من عام أن يصل به إلى السلطة في 2017، ويحصل على أغلبية برلمانية، وكان أقرب لتيار يمين الوسط.
والحقيقة أن المنافس لماكرون لم يكن اليسار التقليدي ممثلا في الحزب الاشتراكي الذي نافس وعارض وحكم على مدار نصف قرن، لكنه عرف تراجعا كبيرا منذ الانتخابات الماضية، كما لم تعد ثنائية التنافس والاستقطاب السياسي قائمة على اليسار واليمين، إنما بين يمين متطرف ويمين يحاول أن يكون أقل تطرفا.
الانتخابات الأخيرة حصل فيها مرشحا اليمين المتطرف في الجولة الأولى على أكثر من ثلث أصوات الناخبين، وهي أعلى نسبة يحصل عليها هذا التيار منذ تأسيس الجمهورية الخامسة عام 1958، كما يفترض أن تكون مرشحة اليمين المتطرف، مارين لوبان، قد حصلت أمس على حوالي 45% من أصوات الناخبين في مقابل 55% لماكرون (ستعلن النتيجة عقب ساعات من كتابة هذا المقال).
ويكفي النظر إلى مسلسل الصعود الذي عرفه اليمين المتطرف على مدار 20 عاما لنعرف حجم التحول الذي عرفته فرنسا، ففي 2002 وصل جان ماري لوبان (والد المرشحة الحالية مارين) إلى جولة الإعادة أمام الرئيس الفرنسي الديجولي الراحل جاك شيراك في انتخابات 2002، هذا الحدث الكبير الذي صدم معظم الفرنسيين دفعهم إلى الاصطفاف خلف شيراك، واعتبروا أن الجمهورية مهددة لمجرد أن مرشح اليمين المتطرف وصل إلى جولة الإعادة. وقد فاز شيراك في هذه الانتخابات بنسبة 82% وحقق انتصارا ساحقا.
وعاد ماكرون وواجه مارين لوبان في 2017، ونال دعم مختلف التيارات السياسية باعتباره «مرشحا أفضل» من مرشحة اليمين المتطرف، وليس باعتبار منافسته خطرا على الجمهورية، كما جرى مع والدها في انتخابات 2002، وشهدنا قبول مختلف القوى السياسية لخطاب اليمين المتطرف، باعتباره يحمل رؤية مختلفة وليس خطرا على البلاد.
في هذه الانتخابات لا توجد «جبهة جمهورية» داعمة لماكرون في مواجهة اليمين المتطرف، لأن قواها التقليدية من اليسار واليمين أصبحت في أضعف حالاتها، وصار الانقسام بين يمين ليبرالي وآخر متطرف.