الرئيسية / مقالات رأي / استفاقة ألمانية متأخرة

استفاقة ألمانية متأخرة

بقلم: يونس السيد – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – خلافاً لما كانت عليه الحال مع بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، يبدو أن ألمانيا قد حسمت أمرها في اتجاه النأي بنفسها عن تلك الحرب والانحياز إلى مصالحها أولاً، في استفاقة وإن جاءت متأخرة، إلا أنها تعبّر عن عمق التناقضات الأوروبية حيال هذه الأزمة والخلافات الأوروبية الأمريكية في هذا الشأن.

قبل نحو شهرين، اصطفت معظم الدول الأوروبية وراء موقف موحد لمناهضة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وبحماسة بالغة قامت بالتنسيق مع واشنطن، بفرض سلسلة ضخمة من العقوبات على روسيا لم تستثن الأحياء ولا الأموات (ديستويفسكي مثلاً)، فيما بدت ألمانيا مرتبكة ومترددة قبل أن تنضم إلى أشقائها الأوروبيين، ولو على مضض.

التردد الألماني كان له ما يبرره، ليس فقط بسبب اعتمادها على الغاز الروسي، بل لأن الأوروبيين سرعان ما اكتشفوا أن العقوبات ألحقت ضرراً أكبر باقتصاداتهم، حيث أغلقت مصانع كثيرة وقطاعات إنتاجية حيوية في دول مثل ألمانيا وإسبانيا والنرويج وفرنسا وإيطاليا، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، كما تسببت، حسب الخبراء، بارتفاع نسب التضخم والغلاء والانكماش الاقتصادي.

حقيقة التحولات في الموقف الألماني ترجمتها تصريحات المستشار شولتز يوم الجمعة الماضي، حين أكد في مقابلة مع صحيفة «دير شبيغل» أنه «لا يرى مطلقاً أن حظر الغاز سيوقف الحرب. لكن النقطة المهمة هي أننا نريد تجنب أزمة اقتصادية خطيرة، فقدان ملايين الوظائف، المصانع التي لن تفتح مرة أخرى أبداً. ستكون لذلك عواقب وخيمة على بلدنا وأوروبا بأكملها، ولا يمكننا السماح بذلك». وهو موقف تشاركه فيه دول أوروبية كثيرة بما في ذلك فرنسا، ويتناقض مع تواجهات واشنطن التي تدفع باتجاه فرض المزيد من العقوبات على روسيا.

وتزامناً مع تصريحات شولتز، حذر البنك المركزي الألماني، من أن فرض حظر فوري من الاتحاد الأوروبي على واردات الغاز الروسي سيكلف بلاده 180 مليار يورو، أي 194 مليار دولار من الناتج المفقود هذا العام. وتشير بعض التقارير إلى أن ممثلي مختلف القطاعات الصناعية في أوروبا أرسلوا للمفوضية الأوروبية، في 9 مارس /آذار الماضي، رسالة جماعية تحذر من مخاطر انهيار شبه كامل للصناعة والاقتصاد الأوروبيين جراء ارتفاع أسعار الطاقة. كما تشير تقارير أخرى إلى أن المفوضية الأوروبية بعثت بمذكرة إلى دول في الاتحاد تسمح لها بشراء الغاز الروسي بالروبل ضمن شروط معينة.

بهذا المعنى، بدأت الدول المحورية الأوروبية تدرك أن حُزَم العقوبات الغربية المتتالية على روسيا لم تأت كما تشتهي سفن الغرب، وأن الاقتصاد الروسي تكيف فعلاً مع تلك العقوبات حتى أن قيمة الروبل ارتفعت مقابل العملات الغربية أكثر مما كانت عليه قبل الحرب. وهذا مؤشر واضح على أن منظومة العقوبات الغربية آخذة في التفكك، رغم كل الضجيج الإعلامي، وأن هناك من بات يطالب بتطوير منظومة الأمن الأوروبية الإقليمية وتطوير الشراكة مع روسيا، قبل أن تنزلق الأمور إلى منحى كارثي خطير، وهو الأمر الذي كانت تطالب به موسكو منذ سنوات طويلة.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …