By: Yascha Mounk
الشرق اليوم – لقد بات اليمين المتطرف الفرنسي أقرب إلى السلطة الآن مما كان عليه في أي وقت منذ الحرب العالمية الثانية.
فعندما تأهل جان ماري لوبان للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في عام 2002، شعرت البلاد كلها بالصدمة، ولكن نتيجة جولة الإعادة كانت نتيجة منطقية، إذ أنه في النهاية حقق جاك شيراك أكبر انتصار في تاريخ الجمهورية الفرنسية، حيث حصل خصمه المتطرف على 17.8% فقط من الأصوات.
وعندما تأهلت مارين، ابنة جان ماري، للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في عام 2017، كان التحالف الأيديولوجي الواسع الذي احتشد للتغلب على والدها قد بات أضعف بكثير، فعلى الرغم من فوز إيمانويل ماكرون بهامش مريح، إلا أن مارين تفوقت بشكل كبير على أداء والدها، حيث فازت بنسبة 33.9% في ذلك الوقت.
وسيخوض أحد أفراد عائلة لوبان، الأحد المقبل، الجولة الثانية من الانتخابات للمرة الثالثة خلال 20 عامًا.. وعلى الأرجح، سيخرج ماكرون في النهاية منتصرًا، وذلك بعد تحسن استطلاعات الرأي الخاصة به على مدى الأيام القليلة الماضية، إذ يرى 90% من المستطلعين أنه سيُعاد انتخابه، ولكن مما لا شك فيه أن مارين ستحصل على أكبر عدد من الأصوات التي يفوز بها أي مرشح يمينى متطرف في تاريخ الجمهورية الخامسة.
ولكن.. ما الذي يمكن أن يفسر هذا الصعود التدريجي لليمين المتطرف في فرنسا؟ وكيف يمكن للدول الأخرى التي تواجه حركات يمينية متطرفة جريئة، بما في ذلك الولايات المتحدة، عكس هذا الاتجاه قبل فوات الأوان؟
ولعل بعض الأسباب المهمة لشعبية لوبان خاصة بالمشهد السياسي الفرنسي، فالأمر الأكثر وضوحًا هو أن العديد من الناخبين أصيبوا بخيبة أمل في الرئيس الحالي ماكرون، الذي عندما ترشح للرئاسة لأول مرة في عام 2017 كان وجهًا جديدًا يتعهد بتغييرات عديدة.
ويفتقر العديد من الناشئين الناجحين في السياسة، مثل الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، إلى تحديد مواقفهم، مما يسمح للناخبين الذين لديهم مجموعة واسعة من الآراء بإلقاء آمالهم عليهم، ولكن بمجرد فوزهم بمنصب رفيع، فإنهم حتمًا يخذلون بعض أنصارهم الأصليين، ولكن في حالة ماكرون، فقد تم تمييز هذه العملية بشكل خاص.
وبعد ظهور تأثيرات محدودة لاستراتيجية لوبان التي اتبعتها على مدى سنوات عديدة، فإنها باتت تؤتى ثمارها الآن، إذ إنه خلال فترة حكم ماكرون، ركزت لوبان في خطابها على القضايا الاقتصادية، ووعدت بحماية الرفاهية وزيادة دخل الفقراء، وقد أدى ذلك إلى تحسين مكانتها بين ناخبي الطبقة العاملة، وفي هذه الأثناء، قام إريك زمور بوضع نفسه في خانة أقصى اليمين، مما جعلها تبدو معقولة مقارنةً به، إذ ساعد كلا العاملين على «تلطيف» صورة لوبان.
وقد بات بعض الناخبين ذوو الميول اليمينية الذين اعتبروا ذات يوم التصويت لمرشح متطرف مثل لوبان بمثابة خيانة للجمهورية الفرنسية يدعمونها الآن علانية، ومن المرجح أن يظل بعض أنصار ماكرون السابقين في يسار الوسط في المنزل دون تصويت لأنهم لا يستطيعون التصويت لصالحه.
ولا تزال فرنسا دولة غنية للغاية مع قدرة سخية للغاية على توفير الرفاهية، كما أنه بعد سنوات من الركود الاقتصادي اقترب معدل البطالة الآن من مستوى قياسي منخفض، إذن كيف يمكن أن تكون بعض الأخطاء التي يرتكبها الرئيس الحالي، أو بضع خطوات بارعة من قبل منافسته المتطرفة، كافية لتمكين أقصى اليمين من الفوز بأعلى منصب في البلاد؟
وأعتقد أن الإجابة تتعلق بقوة الرواية المتشائمة التي لا هوادة فيها والتي يرويها اليمين المتطرف، وفشل بقية المجتمع في مواجهتها برؤية أكثر تفاؤلًا للمستقبل.
وبسبب فشل التيار الفرنسي السائد في الطعن على هذه الرواية المتشائمة التي يروج لها اليمين المتطرف، فإن هذه الحقائق تكاد تكون معروفة في البلاد، وهو ما يترك الناخبين الفرنسيين أمام خيارين بين رؤيتين سلبيتين بلا هوادة للمستقبل: واحدة يتحمل فيها المهاجرون المسؤولية عن مشاكل البلاد التي لا يمكن حلها، والأخرى يكونون هم أنفسهم المذنبين فيها.
وتتعرض العديد من الديمقراطيات الأخرى حول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، لخطر الاستسلام لدوامة خطيرة مماثلة من التشاؤم، ولا يمكن أن يكون هناك شك في أنه، كما هو الحال في فرنسا، لا يزال هناك الكثير من العنصرية والتمييز في أمريكا، إذ تستمر المجتمعات السوداء في المعاناة من العواقب طويلة المدى لقرون من الاضطهاد، كما يعاني المهاجرون غير البيض الذين وصلوا مؤخرًا إلى البلاد من أشكال كثيرة من التمييز العنصري، ومع ذلك، فإن الواقع الأمريكي أكثر تفاؤلًا بكثير مما توحي به الروايات المتشائمة التي أصبحت الآن منتشرة للغاية.
وغالبية الأمريكيين من ذوي الأصول الإفريقية هم من الطبقة المتوسطة، وقد أكمل معظمهم المرحلة الثانوية، وحوالي نصف من هم دون سن الأربعين أمضوا بعض الوقت في الجامعات، ولكن من المرجح أن يعمل الأمريكيون السود في وظائف ذوي الياقات البيضاء أكثر من وظائف ذوي الياقات الزرقاء.
ويتطلب تقييم الحالة الحالية للمجتمعات الليبرالية الغربية عينًا حريصة على المظالم التي لا تزال تميزها، كما أنه يتطلب أيضًا تقدير التقدم الحقيقي الذي أحرزوه في العقود الأخيرة.
وعندما يتجاهل السياسيون هذا الدرس ويبدأ المتطرفون المتشائمون في السيطرة على الخطاب العام، فإنه سيكون من السهل للغاية بالنسبة لأمثال لوبان أو الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الفوز بالسلطة.. لذا فإنه من أجل إبقاء هؤلاء تحت السيطرة، فإن القادة السياسيين بحاجة إلى استعادة التفاؤل وأن يقدموا للناخبين من كل مجموعة عرقية ودينية رؤية للمستقبل، يكونون متحمسين للعيش فيها.
ترجمة: المصري اليوم