الرئيسية / مقالات رأي / الانتخابات الفرنسية.. وارتداداتها الإقليمية

الانتخابات الفرنسية.. وارتداداتها الإقليمية

بقلم: د.طارق فهمي – صحيفة “الاتحاد”


الشرق اليوم – جرت المرحلة الأولى للانتخابات الفرنسية في 10 أبريل 2022 الجاري وتنافس فيها 12 مرشحاً، وفي ظل ظواهر جديدة عبرت عنها أحداث الانتخابات التي لن تحسم قبل 24 أبريل الجاري موعد إجراء المرحلة التالية، والتي باتت بين المرشحين ماكرون – لوبان في استعادة لمشهد الانتخابات الرئاسية عام 2017، جاء إيمانويل ماكرون في المرتبة الأولى بـ 27.6% من الأصوات، ثم مارين لوبان في المرتبة الثانية بـ 23.4%.
واللافت تمكن 3 مرشحين (هم إيمانويل ماكرون، مارين لوبان، وجان لوك ميلينشون) من تخطي عتبة الـ 20% من أصوات الناخبين. وعلى الرغم من أن الجولة الأولى للانتخابات الفرنسية قد شهدت تنافساً قوياً بين مرشحين على أصوات أقصى اليمين، فإن لوبان استطاعت تحسين أصواتها بنسبة 2% عن انتخابات 2017، وقد أعلن كل من يانيك جادو مرشح حزب الخُصر وحصد 4.6% من الأصوات، وآن هيدالغو مرشحة الحزب الاشتراكي بـ 1.7% وفابيان روسيل مرشح الحزب الشيوعي بـ 2.3%، وفيليب بوتو مرشح الحزب الجديد لمناهضة الرأسمالية وحصل على 0.8%، تأييدهم لماكرون في الجولة الثانية.
وهو ما سيرجح دور ماكرون وتصويره كمنقذ لأوروبا مع إظهار نشاطه الدبلوماسي في الأزمة الروسية الأوكرانية، وتأكيده أنه مستعد لفعل أكثر من ذلك في سبيل وقف الحرب فيما وظفت لوبان التداعيات الاقتصادية للحرب، وتزايد الأعباء المعيشية التي يعانيها الناخب الفرنسي جراء أزمة كورونا، خصوصاً فيما يتعلق بارتفاع أسعار المحروقات والطاقة.
الواضح أن الفئات الميسورة، والكادرات العليا والمهن الحرة والمتعلمين من أصحاب الشهادات العليا، كل هؤلاء يشكلون عصب الكتلة الانتخابية لماكرون. وفي المقابل، فإن العمال والموظفين وذوي الدخل المحدود والعاطلين عن العمل وسكان الأرياف يميلون أكثر لصالح لوبان فيما سيكون رهانات ماكرون على قدرته لاجتذاب نسبة من الذين قاطعوا الجولة الأولى 26% ودفعهم للتصويت لصالحه.
وتبين استطلاعات الرأي أن الرئيس ماكرون يستطيع الاعتماد على رصيد تراكمي من الأصوات أكبر مما يمكن أن تحشده لوبان. على جانب آخر تتابع أوروبا نتائج الانتخابات الفرنسية على اعتبار أن فرنسا من تقود قاطرة الاتحاد الأوروبي، وتعمل على توجيه مسارات حركته.
فبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، صارت فرنسا القوة العسكرية الرئيسية في الاتحاد، وهي أيضاً ثاني أكبر اقتصاد بلا منازع في الاتحاد الأوروبي، وقد منح خروج أنجيلا ميركل من موقعها المستشارة الألمانية، ماكرون، دوراً كبيراً في أوروبا، وربما يؤدي فوز لوبان إلى وضع فرنسا في مسارات تصادمية حقيقية مع شركائها في الاتحاد الأوروبي. وستشكل المناظرة التلفزيونية خطوة حاسمة في حسم الخيارات. ففي العام 2017، أدت المناظرة لتداعيات سلبية للوبان، ما ساهم في هزيمتها أمام ماكرون. لكن هذه الانتخابات تبدو أفضل من وضعها السابق.
وفي الشرق الأوسط – وهو الأهم – فإن الرئيس الفرنسي ماكرون يرى أن السياسة الفرنسية كانت قد شهدت بعض الانسحاب من الشرق الأوسط في السنوات الماضية، وكان لا بد من تعويض هذا الانسحاب بدور أكبر تنعكس على الشراكة الفرنسية مع دول المنطقة في مختلف المجالات، مع التوسع في مبيعات السلاح الفرنسي للدول العربية، والتأكيد عن استمرار مسار التحرك نحو صناعة السلاح الفرنسي العريقة التي تواجه منافسة حادة من مثيلاتها الأميركية والروسية.
وأصبح الأمر أشبه بتبادل المنافع الذي توج بتحالف سياسي وتجاري. فمن جهة تجد الدول العربية في فرنسا حليفاً غربياً قوياً منفتحاً على علاقة ندية غير اعتمادية، ويعترف ويقر بالسيادة لشركائه بعيداً عن التحفظات الأميركية، وبرغم ذلك لن تكون السياسة الفرنسية قادرة على تقرير التباين عن السياسة الأميركية، إذ سيدفع بها صعود الخطر الروسي إلى المزيد من توحيد التوجهات مع إدارة الرئيس جو بايدن، كما سيقلل من هامش حركتها في الملفات الخارجية، ومنها الشرق الأوسط لتهدئة الصراعات فيه، إذ من المرجح أن تصبح القضايا الأوروبية هي الهدف الرئيسي باهتمام فرنسا لضمان أمنها واستقرارها، وإنْ كانت كل المقاربات السياسية والإستراتيجية ستكون مطروحة أيضاً وبنفس القدر من الأهمية.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …