بقلم: صابر بليدي – العرب اللندنية
الشرق اليوم – التصريحات المتفائلة لرئيس الحكومة الليبية المنتهية ولايته عبدالحميد الدبيبة في الجزائر، عقب استقباله من طرف الرئيس عبدالمجيد تبون، أعطت الانطباع أن الرجل قد افتك دعما جزائريا له، لاسيما في ظل التوافق بين الطرفين على إمكانية عقد مؤتمر دولي حول الانتخابات الليبية في الجزائر لاحقا، رغم أن الجزائر تشدد على ضرورة العودة إلى انتخابات قاعدية تكرس اختيارات الشعب الليبي لفرز مؤسسات شرعية تنبثق عن إرادته.
وأوحى الحديث الذي أدلى به الرئيس الجزائري لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بأن الجزائر تدعم بقوة خيار الانتخابات كمخرج سياسي وحيد للأزمة الليبية، وشدد حينها على ضرورة فرز مؤسسات تمثيلية في البلاد تجسد إرادة الليبيين، كما انتقد المؤسسات القائمة التي وصفها بـ”الفاقدة للشرعية”، ملمحا إلى حكومتي الدبيبة وباشاغا.
لكن الرجل لم يغص في تفاصيل العملية الانتخابية التي تظل محل خلاف ليبي – ليبي، خاصة وأن الصراع لا يكمن في الاستحقاق الانتخابي، بقدر ما يكمن في توجيه الأرضية الانتخابية لصالح تيار سياسي معين على حساب آخر، وهو ما تتكتم عليه الجزائر إلى الآن ولا تريد البوح بنواياها في هوية ومخارج المؤسسات الجديدة في طرابلس.
وظلت الجزائر تتمسك بخطاب الحياد في الأزمة الليبية، رغم الانحياز الذي أبدته لصالح المؤسسات الانتقالية المعترف بها من طرف المجموعة الدولية، مقابل خلافها الذي طفا على السطح في أكثر من مرة مع القيادة السابقة للجيش الليبي، ومع الأطراف الإقليمية الداعمة له.
وازداد موقفها غموضا تجاه المرتزقة والميليشيات المسلحة، ففيما كانت ترفض بشكل قطعي وجود مسلحين أجانب على التراب الليبي مهما كانت جنسياتهم، وهو ما أكده الرئيس تبون في حديثه لبلينكن، غير أن اختلاف اللهجة عندما يتعلق الأمر بالأتراك والروس، يثير الشكوك حول موقفها الحقيقي، ويبدو أنها كانت تضع علاقتها المتميزة مع إسطنبول وموسكو فوق تلك الاعتبارات.
وإذ لم يكشف الدبيبة ولا المسؤولون الجزائريون عن طبيعة وهوية المؤتمر الدولي حول الانتخابات الليبية، ولا التفاصيل المتصلة بالعملية، غير أنها تبقى الرهان الحقيقي أمام الفاعلين المحليين والإقليميين لرسم مخارج للمشهد الليبي، وأن الاستحقاق هو عبارة عن جولة جديدة من الصراع الناعم حيث تحاول كل الأطراف الفاعلة فرض خياراتها، والجزائر واحدة من تلك الأطراف التي تريد ميلاد مؤسسات تكون على توافق معها في المستقبل.
وهو الأمر الذي بدأ التمهيد له باتفاقيات اقتصادية وتجارية، فبعد الإقرار بفتح خط بحري بين طرابلس والجزائر، كشف الدبيبة عن استعراضه مع الرئيس الجزائري تبون لفرص “زيادة التعاون الاقتصادي، خاصة النفط والغاز والتحكم في الأسعار وتسويقها، خاصة مع الظروف الاقتصادية العالمية الحالية”.
كما حاول في تصريحه إعطاء الانطباع للرأي العام الليبي وللقوى الفاعلة في المشهد الليبي أن زيارته إلى الجزائر حققت دعما واسعا لحكومته، حيث ذكر بأنه تطرق إلى العديد من الملفات الهامة أبرزها الانتخابات، وأنه قدم للرئيس تبون تصور حكومته لتنظيم الانتخابات والمرور بليبيا من المرحلة الانتقالية إلى الاستقرار واختيار الشعب الليبي.
ولفت إلى أمله في “دور جزائري هام في دعم المسار الانتخابي الليبي، والعمل على تنظيمه في أقرب وقت”، كما حملت مرافقته من طرف مسؤولين عسكريين وأمنيين في زيارته، رسالة إلى خصومه السياسيين ومنافسيه عن بوادر تعاون أمني مع الجزائر، وهو ما يكرس تخطيط الدبيبة لتثبيت دعائم مشروعه السياسي انطلاقا من الجزائر.
ورغم عودة المشهد الليبي إلى ما كان عليه قبل العام 2014، بعد انتهاء ولاية حكومة الدبيبة، دون الوصول إلى تنظيم انتخابات، ودخول حكومة “الاستقرار الوطني” بقيادة فتحي باشاغا على الخط، رغم ما يمثله التطور من خطر على الاستقرار الهش في البلاد، إلا أن الجزائر يبدو أنها لا زالت تدعم الهامش الضيق الذي تبقى للدبيبة للتحرك في إطار الشرعية الدولية، ولذلك جاء استقباله من طرف كبار المسؤولين الجزائريين (رئيسا الجمهورية والحكومة) رسالة للدلالة على أن المسك بآخر خيوط الشرعية، والتمسك بالمسار الانتخابي أفضل من تضييع كل الخيوط، خاصة وأن الفتور واضح على علاقتها مع وريث شرعية شرق البلاد.
انزعاج الجزائر من تراكمات الملف الليبي كان واضحا في كلام الرئيس تبون لوزير الخارجية الأميركي، خاصة في ما يتصل بانتشار السلاح بما يمثله من تهديد صريح لأمن واستقرار ليبيا والمنطقة، ولذلك فهي تدفع بقوة للذهاب إلى الانتخابات في أسرع الأوقات، ولو أنه يهمها كثيرا هوية المؤسسات التي ستفرزها لحاجتها إلى توافق إقليمي، خاصة في ظل التوتر الذي يخيم على حدودها في الجنوب وأزمتها الدبلوماسية المعقدة مع المغرب.