بقلم: مفتاح شعيب – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – ردة فعل الدول الغربية على إبرام اتفاقية أمنية بين الصين وجزر سليمان الواقعة في أقصى المحيط الهادئ، غير مستغربة، ولم تخرج عن سياقها الطبيعي، فهذه القوى لا تريد لخصومها، ولاسيما الصين وروسيا، أن تتمدد أو تتحرك في أي مكان من العالم، بينما تسمح لنفسها بفعل أي شيء، وكأنها وصيّة على الكون والبشرية.
انزعاج الولايات المتحدة ومعها أستراليا واليابان ونيوزيلندا من توقيع الاتفاق بين الصين والمستعمرة البريطانية السابقة، سببه أن الصين ستحصل على بعثة عسكرية دائمة، وبناء قواعد متعددة الأهداف، وهو ما سيعزز موقع بكين بشكل كبير في منطقة جنوب المحيط الهادي الشاسعة، والغنية بالموارد، فجزر سليمان تتشكل من نحو ألف جزيرة، وعدد سكانها أقل من مليون نسمة، ولها أهمية استراتيجية بالنسبة للقوى المتنافسة منذ نهاية القرن التاسع عشر. وما زال الغرب يعدها دولة تدور في فلكه، وتتبع التاج البريطاني؛ لذلك فإن دخول الصين إلى هناك سيمثل تحدياً، وسيكون رداً عملياً من بكين على توقيع الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة وأستراليا معاهدة دفاع عُرفت باسم «أوكوس» الهادفة إلى تعزيز وجود الحلفاء الغربيين في منطقة المحيطين الهادئ والهندي.
على الرغم من أن مجريات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تستقطب الأنظار، وتكاد تستنفد كل الجهد الدبلوماسي الدولي، فإن هناك تحولات واستعدادات لمتغيرات في مناطق كثيرة من العالم، ومنها ما يجري في جنوب شرقي آسيا، فاتفاقية جزر سليمان لا يمكن فصلها عن التوتر المحيط بتايوان، والتجارب الصاروخية لكوريا الشمالية، والتصعيد بين موسكو وحلف شمال الأطلسي في القطب الشمالي، وضرب الكثير من القيم وانكشاف زيف بعضها، وفقدان مصداقية الكثير من وسائل الإعلام.
وكلها عوامل زادت من اتساع حالة عدم اليقين والخوف من المجهول، والارتباك غير المسبوق الذي قد يؤدي إلى عواقب وخيمة جداً، من ذلك بث قناة تلفزيونية بالخطأ سلسلة من التنبيهات تفيد بأن الصين بدأت غزو تايوان، وأكد أحد تلك التنبيهات أن «سفناً انفجرت ودمرت منشآت وقوارب. وألحق الانفجار أضراراً في ميناء تايبيه». ويطرح هذا الخطأ الشنيع تساؤلات مشروعة عن مدى الأمان والمصداقية، وعن الضمانات المفقودة، لتجنب حروب كبرى قد يفجرها خطأ لا يساوي خردلة.
ليس هناك أي شك في أن الظروف العالمية لا تطمئن، وأن الضبابية المصطنعة في أغلب الأحيان لا تسمح بمعرفة الأفق الذي يمكن أن يمتد إليه الاستشراف والنظر. وبالعودة إلى أوكرانيا، فإن الكثير مما يجري هناك غير مفهوم ويفتقد الوضوح، وكأن في الأمر خدعة وإيهاماً بأشياء مبهمة والقصد غير ذلك. ومثل هذه الحروب لا تنتهي نهاية تقليدية مثلما يتوقعها المراقبون، لأنها ليست معركة منفصلة؛ بل هي حلقة من سلسلة الصراعات والأزمات السارية، ومنها ما يجري في جزر سليمان، إلى جانب الإرهاصات التي تعد في الفضاء الأوروبي، على وجه التحديد، استعداداً لإعادة تشكل الوضع الدولي على أسس وحسابات مختلفة عما كان سائداً منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وهذا المسار، الذي انطلق، لن يعود إلى الوراء أبداً، على الرغم من مقاومة المعسكر الغربي وقلقه الواسع من تغير خرائط القوة والنفوذ في العالم.