الرئيسية / مقالات رأي / بين روس-ستان، وصين-ستان، وداعش-ستان… وسط آسيا يغلي

بين روس-ستان، وصين-ستان، وداعش-ستان… وسط آسيا يغلي

بقلم: سمير التقي – النهار العربي


الشرق اليوم – كانت آسيا الوسطى حقل توازن بين روسيا والغرب، ولكن يبدو أنها صارت ساحة مفتوحة للصراع الدولي، إذ وضع الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط (فبراير) الماضي زعماء دول آسيا الوسطى الخمس في موقف مستحيل في منطقة تغلي فيها مراجل الاضطراب من كل صوب.
فمنذ التدخل الروسي في كازاخستان، شعرت بلدان وسط آسيا بقلق غير مسبوق، بما ذكرها بالمخاوف التي ترددت في كل أنحاء آسيا الوسطى إثر ضم روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014. وجاءت الطامة الكبرى باقتحام روسيا أراضي الأخت الأوكرانية الكبيرة.
وتواجه كل هذه الدول أزمات اقتصادية خطيرة يتوقع أن تؤدي الى انفجارات شعبية قد تستغلها النخب الأوليغارشية الصاعدة ذريعة للتدخل الروسي لإطاحة الجيل الحالي. لكن الأخطر من ذلك هو ما عبرت عنه العديد من الصحف الروسية المطالبة بضم شمال كازاخستان حيث تتركز الأقلية الروسية والتي تشكل 18 في المئة من السكان.
ومن شأن الروابط الوثيقة لهذه البلدان بروسيا، في التجارة ونظم الدفع، أن تؤثر سلباً في التحويلات، والاستثمار، والسياحة فيها. كما وتواجه خطر انخفاض صادرات الطاقة إذا امتدت العقوبات إلى خطوط الأنابيب عبر روسيا.
وفي حين ظن المراقبون أن التدخل الروسي سيجعل أوزبكستان تمضي بعيداً في علاقاتها بروسيا، إلا أنها سرعان ما صرحت بلسان وزير خارجيتها أنها تقف على الحياد.
ذلك أن كازاخستان لم تعد قادرة على تصدير نفطها عبر كونسورتيوم خط أنابيب بحر قزوين، وهو جزء من خطة روسيا الأصلية لقطع إمدادات النفط عن الغرب.
الى جانب هذه الضغوط، تعاني الجاليات المهاجرة من هذه البلدان من ضغوط اقتصادية كبيرة، إذ يعمل ما يقدر بنحو 7.8 ملايين منهم في روسيا. وإذا انهارت تحويلاتهم، ينعكس ذلك بشكل درامي في كل من طاجيكستان التي تمثل فيها التحويلات ثلث الناتج المحلي الإجمالي، وفي قيرغيزستان حيث تمثل 28 في المئة. ويشكل انخفاض قيمة العملة إلى جانب الضغط الاقتصادي الناجم عن جائحة كوفيد تهديداً شديداً لاستقرار اقتصادات آسيا الوسطى.
وتعمل قيرغيزستان وكازاخستان وأوزبكستان حالياً على صوغ خطط لمكافحة الأزمات لتخفيف الضربة التي تلقتها اقتصاداتها، ولكن هذا يأتي متأخراً جداً بالنسبة الى الملايين الذين يعانون أصلاً من هذه الأزمة. وفي كازاخستان، الدولة الغنية بالطاقة، ليس بعيداً من الأذهان أن الاحتجاجات اندلعت بعد رفع سعر الغاز المسال.
وتلا كل ذلك انخفاض في قيمة عملات كل من طاجيكستان وقيرغيزستان، بل وحتى كازاخستان لم تنج من الانخفاض المتسارع. ومنعت البنوك الناس من سحب أو تبادل الأموال أياماً عدة، وحاولت كازاخستان مواجهة انخفاض قيمة العملة من خلال إضافة مئات الملايين من الدولارات من احتياطيها إلى السوق المحلية، ولكن ذلك لم ينعكس على الأسعار حتى اليوم.
ورغم علاقاتهم القوية بروسيا، يقف زعماء هذه الدول على حبل مشدود، ويلتمسون الحياد بشتى الأشكال.
ومنذ البداية أعلنت طاجيكستان وتركمانستان حيادهما. وسرعان ما صرحت أوزبكستان، باعترافها باستقلال أوكرانيا وسيادتها وسلامتها الإقليمية، كما انضمت طاجيكستان وقيرغيزستان الى كازاخستان التي طالبت بالتحقيق في المجازر. إذ تعلم كازاخستان أن استخراج نفطها غير ممكن من دون التقنيات التي تقدمها الشركات الغربية، في حين ترفض العديد من الدول الأوروبية، مثل بلجيكا وألمانيا، حتى قبول السلع التي مرت بروسيا. وبدأت كازاخستان بالفعل مفاوضات مع الصين للتحايل على هذه الحواجز. وحتى موقف قيرغيزستان الأكثر ولاء لروسيا يرجح أن لا يدوم طويلاً. ويتوقع الخبير الاقتصادي قاسمخان كاباروف، أن الوضع الحالي من المرجح أن يجبر كازاخستان على التحول أكثر نحو الصين.
لكن للصين سيرة أخرى مع وسط آسيا، فخلافاً لكازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان تغرق قيرغيزستان وطاجيكستان الأفقر من جاراتهما في فخ الديون الصينية، بسبب افتقارهما إلى الأصول المالية المضمونة. هذا في حين تشكل القروض السيادية معظم ما تقدمه الصين من قروض بغض النظر عن ربحية المشاريع. فمن أجل تحسين شروط مشاركتها الاقتصادية في مبادرة الحزام والطريق، تقدم بكين منحاً سخية ليخصص جزء كبير منها لمشاريع الأبهة وليس الربح.
وعلى سبيل المثال، فما قدمته بكين من قرض لدوشانبي بأكثر من 200 مليون دولار كان لبناء المجمع الحكومي والمجمع البرلماني. ومن الواضح أن قيرغيزستان وطاجيكستان لن تستطيعا، لا تسديد ديونهما هذه ولا مواجهة الصين، ولا حتى رفض المزيد من المشاريع غير الربحية. وبالفعل بدأ هذان البلدان ينزلقان نحو تجربة سريلانكا التي تخلفت عن سداد الديون، ففقدت ميناءها الرئيسي في كولومبو لمصلحة الصين.
كل ذلك يطفو على جمر مخاطر فشل دول الإقليم وسقوطها في مرجل العواصف الاجتماعية. فبعد الانسحاب من أفغانستان والحرب الأوكرانية، تتطلع الولايات المتحدة، ليس لإغلاق حقبة ما بعد الحرب الباردة فحسب، بل وحقبة ما بعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر).
لقد أدى استيلاء “طالبان” على أفغانستان إلى تصاعد نفوذ الدولة الإسلامية ودورها. ويفاقم نهج “طالبان” القاسي الأزمة الأمنية ما قد يقود أفغانستان إلى حرب أهلية. هذا في حين يتدفق المقاتلون الأجانب من المنطقة المحيطة للانضمام إلى الجماعات الإرهابية وسط آسيا، مثل “داعش” و”القاعدة”، حيث تلعب شبكة حقاني دور المنصة في انتشار هذه التنظيمات.
وفي إطار سياسته الجديدة في الانتقال إلى لامركزية التنظيم، يحول “داعش” موارده واهتمامه إلى هذه المنطقة. ولا يشكك الخبراء في أن العام الحالي والمقبل سيشهدان صعوداً في نشاط فرعه في خراسان، لتتحول أفغانستان تحت حكم “طالبان” إلى عش الدبابير للإرهابيين والمتمردين من كل المشارب. ويرجح خبراء أن تتخذ الدول المجاورة نهجاً أكثر استباقية لتأمين مصالحها. ومن الممكن لإيران أن تختار نشر لواء “فاطميون” لحماية أقلية الهزارة الشيعية. وبالطبع سينعكس ذلك صعود الميليشيات في الجهة المقابلة.
وما بين طموحات روسيا لتحقيق روسيا-ستان، وطموحات الصين في صين-ستان، ومشاريع دولة الإرهاب في خراسان، يغلي مرجل الصراعات في وسط آسيا. والله يستر!

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …