بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم – يحتدم الصراع مجدداً في ليبيا بين حكومة “الوحدة الوطنية” برئاسة عبد الحميد الدبيبة وحكومة “الاستقرار” برئاسة فتحي باشاغا. وإذا لم يتوصل الطرفان إلى تسوية أو مخرج معين قريباً، فمن غير المستبعد أن يترجم المأزق السياسي الحالي، بتجدد العنف.
الدبيبة عزز موقفه لدى أميركا وأوروبا بتصويت ليبيا في الأمم المتحدة على طرد روسيا من عضوية مجلس حقوق الإنسان، على خلفية التدخل العسكري في أوكرانيا. وليبيا هي الدولة العربية الوحيدة التي صوتت لمصلحة القرار، بينما عارضت بقية الدول أو امتنعت عن التصويت. والمفارقة أن روسيا هي ثاني دولة يتم طردها من المجلس بعد ليبيا عام 2011 عقب اندلاع الانتفاضة ضد نظام معمر القذافي.
ورأى مراقبون أن طريقة التصويت الليبي أتت بهدف تعزيز ورقة الدبيبة على الساحة الدولية، في مواجهة حكومة باشاغا التي انتخبها مجلس النواب في طبرق، ويعارضها المجلس الأعلى للدولة الذي يتخذ طرابلس مقراً له.
وتساند روسيا باشاغا، وتتحفظ عن تدخل مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني وليامز في الشؤون الليبية، وهي رفضت تعيينها مبعوثة خاصة إلى ليبيا خلفاً ليان كوبيتش الذي استقال من منصبه، بعد الإخفاق في إجراء الانتخابات الرئاسية، التي كانت مقررة في 24 كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
وتدعم روسيا أيضاً قائد “الجيش الوطني الليبي” المشير خليفة حفتر، ولا تعارض عودة سيف الإسلام القذافي، نجل معمر القذافي، إلى الحياة السياسية. ولعبت مجموعة “فاغنر” الأمنية الروسية دوراً رئيسياً في دعم قوات حفتر وصد قوات حكومة الوفاق الوطني السابقة برئاسة فايز السراج عن مدينة سرت.
يضاف إلى ذلك، أن ليبيا تستورد القمح من روسيا، والبلدان مرتبطان بمعاهدات في أكثر من مجال، ويخشى مراقبون أن يلعب التصويت الليبي في الأمم المتحدة دوراً سلبياً في دفع جهود التسوية الداخلية.
ومجرد تصميم باشاغا على دخول طرابلس، يحمل في طياته احتمالات تجدد الصراع. ولذلك، سارع الدبيبة إلى تعزيز القوات الموالية له في العاصمة، لمنع حكومة باشاغا من الانتقال إليها لتولي المهام التي ألقاها على عاتقها مجلس النواب وهي التحضير للانتخابات الرئاسية.
وتأتي هذه التطورات في حين أنهت لجنتان دستوريتان من مجلسي الدولة والنواب الجولة الأولى من اجتماعاتهما في القاهرة، برعاية أممية واحتضان مصري، على أن تعقبها جولة ثانية بعد عيد الفطر، من أجل بحث المسار الدستوري، والخروج برأي توافقي يفضي إلى انتخابات. وتزامنت هذه التحركات أيضاً مع اجتماع في تونس جمع باشاغا و3 من أبرز قادة الكتائب المسلحة في مدينة مصراتة. وكانت قوافل كبيرة من الميليشيات قد تحركت في وقت متزامن من مدن مختلفة في الغرب الليبي باتجاه طرابلس، بالتزامن مع محاولة باشاغا الدخول إلى العاصمة لممارسة سلطاته.
وفي تصعيد سياسي مقابل التحركات العسكرية للقوات الموالية للدبيبة، حمل باشاغا حكومة الوحدة الوطنية مسؤولية “أي تصعيد يهدد سلامة الليبيين”.
مجدداً، ليبيا أمام تحدي إيجاد حلول دبلوماسية لأزمة تهدد بالعودة إلى الصراع المسلح، في ذروة الانقسام الدولي حول الوجهة التي يتعين أن تقف فيها ليبيا.
والتأزم الحالي، إذا لم تتم معالجته دبلوماسياً وبالوسائل السلمية، فإنه سيزيد من معاناة الليبيين الذين يدفعون منذ أكثر من عقد من الزمن ثمناً فادحاً لحال الانقسام والتشرذم والفوضى التي اجتاحت ليبيا عقب إسقاط نظام القذافي. ومن المؤسف أن الأمم المتحدة عجزت حتى الآن عن إيجاد الوسائل الكفيلة بوضع ليبيا على خريطة الحل السياسي.
كذلك، يجب أيضاً عدم تناسي أن غياب الإرادة السياسية لدى الأطراف الليبيين أنفسهم للتوصل إلى حل سياسي، واستمرار الرهان على الخارج، وعدم الرغبة في تقديم التنازلات الضرورية، كلها عوامل تؤخر عودة الاستقرار الفعلي إلى ليبيا كمقدمة ضرورية للنهوض بالبلاد مجدداً.