بقلم: يونس السيد – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – لم يكن الزلزال السياسي الذي هزّ فرنسا مع إعلان نتائج الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية، سوى التعبير الأكثر وضوحاً عن تغيير المشهد السياسي الفرنسي، إلى الحد الذي بات يطرح تساؤلات جدية حول مصير الجمهورية الخامسة، وانتهاء عصر تداول السلطة بين الحزبين التقليديين «الجمهوري» و«الاشتراكي» على مدى نحو 64 عاماً منذ عام 1958.
أظهرت نتائج الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية في العاشر من إبريل/ نيسان الجاري، وجود استقطاب حاد داخل المجتمع الفرنسي، هيمنت عليه ثلاث قوى سياسية متقاربة، من حيث الحجوم والأوزان والكتل الجماهيرية، ممثلة في الوسط واليمين المتطرف واليسار، بعد عقود من التناوب على السلطة بين الحزبين التاريخيين: «الجمهوريون اليمينيون»، أو «الديغوليون» والاشتراكيون، بالتزامن مع نجاح يمين الوسط (حزب الجمهورية إلى الأمام)، أو ما أصبح يعرف ب «الماكرونية» في الوصول إلى السلطة عام 2017.
على أية حال، منذ الإعلان عن نتائج الجولة، والتي حصرت التنافس بين مرشح «الجمهورية إلى الأمام» إيمانويل ماكرون ( 27,85 في المئة من الأصوات)، ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان (23,15)، بدأت رحلة البحث عن استقطاب أصوات الناخبين الذين صوتوا لمنافسيهم العشرة الذين خرجوا من السباق، أي أنهما يبحثان عن نحو نصف إجمالي عدد الناخبين الفرنسيين. بيضة القبان، هنا، يملكها مرشح اليسار، جان لوك ميلينشون، الذي حصل على 21.95 في المئة من الأصوات، وخسر بفارق أقل من 500 ألف صوت عن لوبان، لكن إذا كان مرشحو أربعة أحزاب، هم: فاليري بيكريس عن اليمين الجمهوري (4.8)، وآن هيدالغو عن الحزب الاشتراكي (1.8) وهو أدنى مستوى حصل عليه مرشح اشتراكي على الإطلاق، وكذلك مرشح حزب الخضر يانيك جادو، ومرشح الحزب الشيوعي فابيان روسيل، قد دعوا على الفور إلى الاقتراع لمصلحة ماكرون، ليس حباً أو إعجاباً بسياسته، وإنما لقطع الطريق على لوبان، فإن ميلينشون دعا أنصاره إلى عدم إعطاء ولو صوت واحد إلى لوبان، لكنه، في الوقت نفسه، لم يطلب من أنصاره التصويت لماكرون، ما يترك الباب مفتوحاً لهؤلاء. الوحيد الذي دعا إلى التصويت لمصلحة لوبان هو المرشح اليميني الشعبوي، اريك زيمور، الذي حل رابعاً ب ( 7.1 في المئة من الأصوات)، قبل أن ينضم إليه مرشح اليمين السيادي نيكولا دوبون إينيان، الذي حصل على (2.1 في المئة)، بينما ترك المرشح المستقل جان لاسال (3.2 في المئة) الحرية لناخبيه.
وقبل أيام قليلة من جولة الحسم وتقرير من يفتح أبواب الإليزيه، تحتدم المعركة الانتخابية بين لوبان وماكرون، وإن كانت الاستطلاعات ترجّح فوز ماكرون بفارق بسيط، وهي معركة تستخدم فيها كل الأسلحة، بعضها غير مقبول، أو مشكوك في ظروف توقيته كاتهام لوبان بسرقة أموال الاتحاد الأوروبي، فيما تبقى كل الاحتمالات مفتوحة، خصوصاً بعدما خلعت لوبان ثياب التطرف، وباتت تحاصر ماكرون في الكثير من القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وحتى السياسية من نوع وقف الغاز الروسي على خلفية الحرب في أوكرانيا، وما يترتب عليه من كلفة باهظة سيدفعها الفرنسيون.