بقلم: الجمعي قاسمي – العرب اللندنية
الشرق اليوم – لم تعد خارطة المغرب في الوثائق الرسمية الإسبانية تتضمن ذلك الخط الوهمي الذي كان يتعرج في جنوبها، بل أصبحت كاملة بخطوطها الواضحة من شمالها إلى جنوبها، بعد أن نشرت الخارجية الإسبانية في موقعها الرسمي هذه الخارطة المُترابطة الأقاليم وخاصة الجنوبية منها بترابها الصحراوي.
وهذه الخطوة، التي تُعد سابقة، هي الأولى منذ انسحاب إسبانيا من الصحراء المغربية في العام 1975، وأتت مباشرة بعد لقاء الأسبوع الماضي بين العاهل المغربي الملك محمد السادس ورئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز الذي عُقد في الرباط.
ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها ليست مُجرد تصحيح لخطوط الجغرافيا، التي تصدعت نتيجة الحسابات السياسية الخاطئة، وإنما كخطوة لافتة بأبعاد مُتعددة يُعتقد على نطاق واسع أنها ستؤسس لمعادلات جديدة في مجمل المنطقة.
ونحسب أن تلك المعادلات بدأت ترتسم على إيقاع التحركات الدبلوماسية والسياسية المغربية التي تتالت وفق قراءة ذكية للمتغيرات الإقليمية والدولية، جعلتها تُحدث أكثر من شرخ في العلاقة بين القوى والمكونات الوازنة في المنطقة.
واستطاعت من خلال ذلك فرض توازنات جيوسياسية مغايرة لتلك التي سادت سابقا، وتشكلت ملامحها منذ الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وما رافق ذلك من افتتاح عدة دول عربية وأفريقية بعثات دبلوماسية لها في الصحراء المغربية.
ولعل التغيير اللافت الذي طرأ على الموقف الإسباني من ملف الصحراء الذي أيدته المفوضية الأوروبية ورحبت به على لسان الناطقة باسم مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، ليس سوى مقدمة للمرحلة المقبلة بمعادلاتها الجديدة التي سيكون ناتجها الآني والمستقبلي تكريس سيادة المغرب على صحرائه.
وتشير سلسلة القراءات التي تناولت هذا التطور بعناوينه الواضحة وبتفاصيل دلالاته إلى أن المنطقة وصلت إلى مرحلة انعطاف حاسمة في مجمل المشهد الإقليمي ستتشكل على وقعها مقاربات ميدانية جديدة تتجاوز الجغرافيا المغاربية إلى العمق الأفريقي.
وقد أسس لهذه المقاربات الجديدة اللقاء الذي جرى بين الملك محمد السادس ورئيس الحكومة الإسبانية سانشيز الذي عُقد في الرباط على أرضية واضحة وصريحة، ليُضيف بمضمون القضايا التي ناقشتها عناوين كانت حتى وقت قريب غائبة عن المنطق السياسي للحكومات الإسبانية السابقة.
وبعيدا عن الأسباب التي تم الدفع بها لتبرير غياب المنطق السياسي للحكومات الإسبانية السابقة، على الرغم من أهميتها ودورها في إطالة أمد الأزمة، فإن المشاهد التي انطوى عليها ذلك اللقاء فتحت آفاقا واسعة لاصطفاف جديد للمواقف على أساس استراتيجي بما يمتن قاعدة المصالح المشتركة.
وعكست العناوين التي طُرحت على بساط البحث خلال ذلك اللقاء إلى حد بعيد أن الجانب الإسباني قرأ بشكل جيد التوازنات الجيوسياسية الجديدة في المنطقة، ولم يتردد في إعادة حساباته للحفاظ على مصالحه الحيوية، على قاعدة استراتيجية تأخذ في الحسبان الدور المغربي الريادي في المنطقة.
وأظهر ذلك اللقاء أن الجانبين المغربي والإسباني اتفقا على بدء مرحلة جديدة في علاقاتهما الثنائية تستند إلى مبادئ الشفافية والحوار الدائم والاحترام المُتبادل، والتعاون في مختلف القطاعات، وخاصة منها الملفات الحساسة المتعلقة بالأمن والهجرة غير الشرعية التي تُؤرق البلدين.
وليست هذه النقاط بأبعادها السياسية والأمنية سوى مُقدمة في المقاربة الجديدة للعلاقات بين البلدين التي لن تقتصر على ذلك فقط، بل ستأخذ بالضرورة سياقها الاقتصادي ضمن حزمة من المشاريع المُشتركة التي ستتكفل الأيام القادمة بإظهار مضمونها.
وعززت هذه التطورات إلى حد كبير التوجه العام نحو تحولات نوعية لاحقة تعكس إرادة سياسية مُشتركة لإفشال المشروع الانفصالي تجسدت في تصحيح خارطة المغرب التي عادت في الوثائق الرسمية الإسبانية كاملة موحدة دون ذلك الخط الذي كان يفصل أجزاء من جنوبه.