بقلم: محمد ماموني العلوي – العرب اللندنية
الشرق اليوم – تجربة الناخب المغربي مع حزب العدالة والتنمية لم تكن ناجحة، بل كانت فاشلة على عدة مستويات، رغم استمرارها لولايتين أعطيت خلالهما للحزب مساحة من الزمن كانت تكفي لاستدراك الأخطاء وتقديم نموذج مغاير لما قدمته أحزاب إسلامية في دول أخرى، إلا أن التجربة لم تفلح وشهدنا نهاية الحزب الإسلامي من خلال صناديق الاقتراع.
تم التصويت على أحزاب الحكومة الحالية، التي يقودها عزيز أخنوش، في انتخابات جرت الخريف الماضي، زلزلت نتائجها حزب العدالة والتنمية، بهدف إيجاد بديل قادر على تقديم الحلول لقضايا اقتصادية واجتماعية ملحة، دون أن يبقى حبيس تشخيص واقع بات الكل يعرفه.
وبينما تقول الحكومة إنها تعكف على وضع تصور لإحداث منظومة وطنية متكاملة للمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية، وضمان سيادة غذائية، تبقى الوصفة الناجعة هي البحث عن مصادر التمويل، وهو التحدي الذي يحتاج إلى إرادة ورؤية واضحة وعلاقات عامة على مستوى عال من الكفاءة.
استمرار آثار جائحة كورونا والعملية العسكرية الروسية بأوكرانيا، وارتفاع أسعار المحروقات، كلها عوامل كبلت يد الحكومة التي تدير مرحلة ما بعد حكومة الإسلاميين. لكن هل هذا يكفي ليكون سببا في تبني حلول ارتجالية؟ بالتأكيد لا؛ فدور الحكومة هو حماية الاقتصاد من الانهيار والبحث عن حلول تخفف من الأضرار حماية للأمن القومي وتحقيقا للسلم الاجتماعي.
لم ينجح أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار في تشكيل ائتلاف حكومي فحسب، بل قدم نفسه على أنه مرشح مختلف عن سابقيه، براغماتي وإصلاحي، وأنه سيفي حتما بوعوده الانتخابية، فقلب السباق لصالحه، وأقنع الناس أنه الخيار الأفضل لقيادة الحكومة.
منح الناخبون في المغرب تفويضا واضحا لحزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة وحزب التجمع الوطني للأحرار، فكيف ستعبر تلك الأحزاب عن امتنانها لهذا التكليف؟ بالعمل الجاد طبعا. فهذا هو الوقت المناسب للوفاء بالتعهدات التي قدمت للناخبين، خاصة وأنها تدرك المأزق الذي ستجد نفسها فيه إن هي أخلت بذلك.
فوز تلك الأحزاب في الانتخابات ليس فقط نتيجة عمل جاد ونضال قامت به، بل هو نتيجة فشل حزب العدالة والتنمية في تحقيق طموحات الشعب الذي رأى في برنامج الأحزاب الثلاثة ضالته. واليوم آن الأوان لتحقيق تلك الأهداف التي من أجلها شكلت هذه الحكومة، حتى لا نسقط في فخ التكرار الحكومي.
من الأخطاء التي تؤخذ على الحكومة الحالية، عدم قيامها بخطوة استباقية تُجنب البلاد الأزمة الحالية المتعلقة بتأمين مخزون احتياطي من المشتقات النفطية، وتجنب التأثيرات السلبية لارتفاع أسعار النفط في السوق العالمي، وكبح جشع شركات المحروقات. وهو ما أكده تقرير اللجنة الاستطلاعية البرلمانية الصادر في 2018، الذي كشف عن أرباح سنوية خيالية حققتها تلك الشركات، ودعمته تصريحات وزير العدل عبداللطيف وهبي، عندما كان خارج الحكومة.
الجميع يرى أن أخنوش هو المسؤول عن إيجاد حل عملي يوقف ارتفاع أسعار المحروقات، التي أثرت بالتالي على أسعار السلع الأساسية، بما في ذلك المواد الغذائية. أولا، باعتباره رئيس حكومة منتخبة. وثانيا، لأنه مالك “أفريقيا غاز” أكبر شركة محروقات بالمغرب. ومن هذا المنطلق، ما الذي يمنع حكومته من البحث عن طريقة مثلى لاستغلال منشآت مصفاة “لاسامير” الخاضعة حاليا لعملية تصفية قضائية.
حين صوت الناخبون بأغلبية ساحقة لحزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة، كانوا على ثقة بأن فوز تلك الأحزاب سينعكس إيجابا على حياتهم اليومية، وكانوا يعرفون أن أخنوش مالك لأكبر شركة محروقات في المغرب، وبالتالي سيعمل على ترجمة وعوده في دعم الاقتصاد وتأمين قوت المواطن البسيط.
الشعب منح حزب الأحرار أصواتا أهلته لصدارة مجلس النواب (102 مقعد)، ولهذا يتساءل الجميع عن مدى وعي أخنوش وفريقه الحكومي بالتحذيرات التي أطلقها عبداللطيف الجواهري في يونيو 2021، من عدم تماشي حجم الوعود الانتخابية مع القدرات الاقتصادية للمملكة.
التحالف الحكومي برئاسة التجمع الوطني للأحرار فاز بهامش مريح، وهذا يعني أنه قد فهم تطلعات الناخبين، والمفروض البدء في العمل من أجل كل الشعب، والحفاظ على مصالحه في المناطق الريفية والحضرية على حد سواء، والتركيز بشكل أساس على القضايا المرتبطة مباشرة بالناخبين، الذين آمنوا بوعود أخنوش ومن ضمنها إنعاش الاقتصاد وتوفير مليون فرصة عمل مباشر.
عودة الوقفات الاحتجاجية والصدام الدائم مع المعلمين والأطباء والنقابات يؤشران إلى أن هناك شيئا ليس على ما يرام. هناك خلل ما في طريقة تعامل الحكومة مع الملفات يحتاج إلى إصلاح هيكلي سريع.
مؤخرا، تم استهجان استعانة الحكومة بناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي لتسويق مشروع “فرصة” الذي حُددت ميزانيته بمليار و250 مليون درهم، ولهذا ذكر الكثير من المتابعين والأكاديميين أن هذه الطريقة لا تخضع لمعايير الحكومة الرشيدة، وإنما هي آلية تلجأ إليها الشركات لتلميع صورتها وتسويق منتجها، وهو ما يشكل سابقة يجب التوقف عندها.
بوضوح شديد، بعض وزراء الحكومة الحالية لا يهمهم سوى الظهور الإعلامي، ولا يهتمون بشكل واقعي وجاد بتأثر الاقتصاد المغربي بتداعيات الوضع العالمي وارتفاع التضخم وزيادة نسبة الفقر ومشاكل قطاع التعليم، ولا يدركون تماما أنهم يجب أن يشكلوا بديلا حقيقيا للإسلاميين.
ولا يزال بعض الوزراء يكررون، وكأنهم في حملة انتخابية مستمرة، أننا سنخرج قريبا بسياسة صناعية حيث يحصل الشباب على أقصى قدر من فرص العمل، وذلك بتشجيع المشاريع الصغيرة، ومنها مشروع “فرصة”، من أجل رفاهية وتنمية المناطق المحرومة من مياه الشرب والكهرباء والرعاية الصحية والتعليم والطرق والسكن.
تكرار بعض وزراء الحكومة أن الوضع الذي يخص المياه سيء، دون التقدم بمخططات فعالة واستخدام أموال الخزينة بشكل صحيح لإصلاح الوضع وتقديم حلول عملية، يؤكد أنهم لم يكونوا رؤية واضحة حول ما ينتظرهم من مسؤوليات وكيفية إدارة المهام الحكومية، وهذا سيجعل مصداقية الحزب الذي يقود الحكومة على المحك ويؤثر على مستقبله السياسي.
يجب إعطاء القضايا الملحة أولوية قصوى في عمل حكومة أخنوش؛ أولوية على مستوى قضايا مهمة مثل البطالة والصحة والأمن الغذائي، وتفادي التسويف لأنه يولد اضطرابات اجتماعية وسياسية البلاد في غنى عنها.
باختصار، تجاهل القضايا الملحة يجعل من هذه الحكومة نسخة معدلة عن تلك التي قادها حزب العدالة والتنمية.