بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم – رغم أن الولايات المتحدة نأت بنفسها عن إسقاط حكومة عمران خان من “حركة إنصاف” واستبدال حكومة شهباز شريف من “الرابطة الإسلامية – فرع نواز شريف” بها، فإنه لا يمكن على نحوٍ مطلق، إزالة البصمات الأميركية عن مجريات السياسة الباكستانية، لا سيما في وقت تمر العلاقات الدولية بمرحلة من الاستقطاب غير المسبوق بين أميركا من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى.
ومن الصعب التصديق أن أميركا غير معنية، أو أنها تتصرف بحياد حيال موضوع باكستاني داخلي، على مثل هذه الدرجة من الأهمية، وفي وقت تحتاج واشنطن إلى باكستان في المواجهة الواسعة التي تخوضها مع روسيا والصين.
وبطبيعة الحال، أزعج الحياد الباكستاني حيال الحرب الروسية – الأوكرانية واشنطن. وهي لم تخفِ هذا الأمر، واستدعت وزارة الخارجية الأميركية السفير الباكستاني في واشنطن لإبلاغه استياءها من موقف إسلام آباد. وبعد ذلك، كان اجتماع بين السفير الأميركي والمعارضة الباكستانية. ومع أن واشنطن اعتبرت أن هذه الاتصالات تحرك دبلوماسي عادي، فإنه لا يمكن إلا إدراجها في سياق تصعيد الضغط الداخلي على عمران خان.
وفي وقت يحشد الرئيس الأميركي جو بايدن حلفاءه في مواجهة روسيا، فإنه لن يدع دولة مثل باكستان تعتبر حليفة للولايات المتحدة منذ ستة عقود، تخرج عن سياق السياسة الأميركية في وقت تحتاج واشنطن إلى تعبئة كل ما تستطيع من أوراق الضغط والقوة في زمن الاستقطاب الدولي الحاد.
وباكستان تختلف عن الهند. إذ من الممكن أن لا تذهب أميركا في ممارسة ضغط كبير على نيودلهي، باعتبار أن هذا البلد يعتبر من الوجهة التاريخية، حليفاً لروسيا ومن قبل للاتحاد السوفياتي، وهو يعتمد اعتماداً شبه كامل على النفط والسلاح الروسيين. بينما الحال ليست كذلك مع باكستان التي تربطها بالولايات المتحدة علاقات صداقة وتحالف منذ الحرب الباردة، والدليل على ذلك، الدور الكبير الذي اضطلعت به إسلام آباد في دعم الفصائل الأفغانية التي قاتلت الجيش السوفياتي في أفغانستان طوال عقد الثمانينات.
لقد كانت باكستان في عهد الجنرال الراحل ضياء الحق، الساحة الخلفية للفصائل الأفغانية، من التسليح إلى التدريب إلى شن الهجمات.
وفي عام 1955 كانت باكستان عضواً في حلف بغداد (أو السنتو) إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا والعراق وإيران بهدف التصدي للنفوذ الشيوعي في الشرق الأوسط.
وخلال الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001 عقب هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، ساندت باكستان القوات الأميركية الغازية رغم العلاقات الوطيدة التي كانت تربط إسلام آباد مع حركة “طالبان” التي رعتها الاستخبارات العسكرية الباكستانية ودعمت وصولها إلى السلطة للمرة الأولى عام 1996.
واليوم، ليست أميركا في موقع يسمح لها بالتفريط بباكستان التي تعتبر ركيزة من ركائز السياسة الأميركية في جنوب آسيا ووسطها، وهي تحتاجها من أجل ضبط “طالبان” أفغانستان على رغم أن العلاقات بين إسلام آباد والحركة الأفغانية المتشددة، ليست كما كانت في السابق، ويشوبها الكثير من علائم التوتر في الوقت الحاضر. والتوترات الحدودية بين باكستان وأفغانستان منذ عودة “طالبان” إلى الحكم في آب (أغسطس) من العام الماضي، واضحة للعيان.
ورغم العلاقات الاقتصادية القوية التي نسجتها باكستان في العقد الأخير مع الصين وروسيا، إلا أن التعامل التجاري الرئيسي لا تزال وجهته أميركا والدول الأوروبية. وعليه، يمكن أميركا أن تضغط على المؤسسات الدولية المقرضة لباكستان كي تتوقف عن مدها بالمساعدات التي تحتاجها كي يبقى اقتصادها واقفاً على رجليه. والانتقال بالاقتصاد الباكستاني شرقاً لن يتم بين ليلة وضحاها، من دون إنكار واقع أن الاستثمارات الصينية في باكستان هي في نمو مستمر، وهذا البلد هو بوابة من بوابات مبادرة الطريق والحزام الصينية.
هذا كله أيضاً لا يلغي أن أميركا متغلغلة في قلب السياسات الباكستانية ولن تتوانى عن التدخل في الأوقات الحرجة.
أليس لافتاً أن أول تعليق روسي على إسقاط عمران خان، كان مناشدة موسكو شهباز شريف عدم وقف مشروع أنبوب الغاز “السيل الباكستاني” الذي كان قيد الإنشاء من روسيا إلى الموانئ الباكستانية؟!