بقلم: عدنان كريمة – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- في سياق الحرب الاقتصادية العالمية التي ترافق الحرب العسكرية الميدانية في أوكرانيا، يحاول الروبل الروسي تحدي الدولار الأمريكي في عمليات تقتضيها متطلبات “الدفاع”، وقد تمكن من الصمود والتقدم نسبياً في مواجهة العقوبات واستعادة غالبية الخسائر التي تكبَّدها منذ بداية الحرب.. لكن هل يستطيع الاستمرار في التحدي والانتقال إلى مرحلة “الهجوم”؟ في عام 1944، وبعد الحرب العالمية الثانية، وقعت اتفاقية “بريتن وودز” التي تم بموجبها إنشاء نظام تسعير العملات للدول المتقدمة اقتصادياً مقابل الدولار وسعر محدد من الذهب، ومنذ ذلك التاريخ، أصبح الدولار عملةَ الاحتياط، والتزمت الولايات المتحدة بضمان تغيير قيمته بوزن معين من الذهب للدول الحائزة للدولار متى اقتضت الحاجة.
وبما أن هذه الاتفاقية لم تدرك في حينها احتمال عدم قدرة أمريكا على تغطية الاحتياطات “الدولارية” المتراكمة، فقد قامت ألمانيا الغربية وفرنسا في عام1971 باستبدال الذهب باحتياطات الدولار، واضطرت واشنطن للتخلي عن التزاماتها، وحصل ما سمي “صدمة نيكسون”، بإعلان الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلغاء التحويل الدولي المباشر من الدولار إلى الذهب. لكن استمر الطلب على المعدن الأصفر طيلة 78 عاماً لدعم احتياطيات البنوك المركزية، حتى بلغت 35571.3 طناً في يناير الماضي، وفق تقرير مجلس الذهب العالمي، واحتلت الولايات المتحدة المرتبة الأولى بنحو 8133.5 طن، وبفارق كبير عن المرتبة الثانية التي تحتلها ألمانيا باحتياطي قدره 3359.1 طن، تليها إيطاليا بـ2451.8 طن، ثم فرنسا بـ2436.4 طن.
وجاءت روسيا في المرتبة الخامسة بنحو 2298.5 طن، وقد استطاعت تعزيز احتياطيها من العملة الصعبة ليبلغ 643.2 مليار دولار في 24 فبراير الماضي (قبل الحرب)، وإن انخفض في 25 مارس إلى 604.4 مليار دولار، منها 130 مليار دولار قيمة الذهب. ومع تنفيذ عقوبات أمريكية وأوروبية غير مسبوقة تستهدف النظام المالي الروسي، فقد بدأ سعر الروبل يتراجع إلى نحو 150 مقابل الدولار، حتى فقد نصف قيمته، لكن موسكو ردت بخطة دفاعية شملت سلسلة إجراءات وضوابط مالية، أهمها الحد من خروج الأموال والاستثمارات الأجنبية، ودفع ثمن مبيعات النفط والغاز بالروبل، وكذلك دفع أقساط ديون “اليوروبوند” المستحقة بالروبل، بعدما تصاعدت المخاوف من فشل روسيا في سداد ديونها السيادية، حتى إن وكالة “فيتش” للتصنيف المالي حذَّرتها من خطر التخلف عن الدفع. وإضافة إلى ذلك ربط بنك روسيا الروبل بالذهب، وقام بعمليات الشراء بسعر 5000 روبل (59 دولاراً) للغرام الواحد، وستستمر حتى يونيو المقبل، بما يعني تثبيت سعر الروبل قياساً للذهب، وهي سابقة لأي عُملة منذ قيام نظام “بريتون وودز” حينما ربطت كل العملات بالدولار.
وقد ساهمت هذه الإجراءات باستعادة قيمة صرف الروبل ليسجل 76 للدولار، بعد شهر ونصف من بدء الحرب، وتمكنت موسكو من تجنب انهيار نظامها المالي، لكن مع استمرار عزلتها عن التمويل العالمي. وهكذا يكون الروبل قد صمد في مرحلة “الدفاع” ولو بحدود معينة، لكن احتمال انتقاله إلى مرحلة “الهجوم” أمر مستبعد الآن لصعوبة تحقيقه، خصوصاً أنه وفق إجماع تقارير الخبراء، لا توجد الآن أي عملة قادرة على الحلول محل الدولار المسيطر على النظام المالي العالمي، وهو سلاح “فتاك” تمتلكه الولايات المتحدة في وجه الدول التي تتحداها، إذ ما تزال قائدة الاقتصاد العالمي والمصدر الرئيسي للسيولة العالمية.
وربما يكون البديل تكتل قوى اقتصادية عالمية متحدة تواجه النظام القائم.. فهل يستطيع تكتل دول “البريكس”، الذي يضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، والذي يمثل 24% من الناتج المحلي العالمي، أن يقود عدة أحلاف تجارية إلى إنشاء آليات دفع خاصة بها، تنزع دولرة النظام العالمي؟