بقلم: ناجي شراب – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- يطرح دائماً سؤال: لماذا امتلاك القوة النووية؟ لأنها أعلى درجات القوة تدميراً، وترى الدول في امتلاكها امتلاكاً لكل القوة . وتؤكد الدول الساعية والطامحة أنها لا تنوي استخدام القوة النووية، إنما امتلاكها هو لتثبيت وجودها والاعتراف بدورها ومكانتها ومصالحها الحيوية، وردعاً للقوى الأخرى المنافسة لها إقليمياً ودولياً. وهذا القول لا يكشف عن النوايا الحقيقية للدول التي تسعى لامتلاك هذه القوة المكلفة.
قد تكون القوة النووية المطمح القومي لكل الدول كبيرها وصغيرها، فكل الدول تسعى لامتلاكها لكن تكبحها القيود والتكلفة، وأهمها بنية القوة الدولية التي تقف في وجه الدول للوصول للقوة النووية، والقدرات الاقتصادية والتكنولوجية. فامتلاك القوة النووية يعني إعادة تقاسم القوة على المستوى الدولي، وتعني أيضاً إعادة بناء منظومة وبنية القوة الحاكمة إقليمياً ودولياً.
فعلى المستوى الإقليمي عندما تملك دولة ما هذه القوة فهذا يعني أن النظام الإقليمي يقع في نطاق مجالها الحيوي ويعتبر منطقة نفوذها. وفي حال وجود دولة أخرى لديها القدرة النووية فهذا يعني الصراع على الإقليم وتقاسم مناطق النفوذ. وهنا النموذج هو إسرائيل وإيران، فالأولى تمتلك أسلحة نووية، فيما الثانية لديها برنامجها النووي، ولهذا فهناك سعي دولي للحؤول دون امتلاك إيران السلاح النووي. والإشكالية الأخرى أن هذا قد يدفع دول المنطقة لامتلاك القوة النووية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ومن ثم الدخول في مرحلة من فوضى القوة التي تنتهي باندلاع حروب إقليمية تقود لحرب كونية.
والدوافع الحقيقية التي تقف وراء هذا الطموح هي الأمن والبقاء والمكانة والدور، إلى جانب السياسات المحلية وماهية النظام الحاكم، والمحددات الاقتصادية والتكنولوجية. والمعضلة الأمنية التي تحكم العلاقات الدولية منذ ثيوسيديدس مؤسس نظرية القوة لم تتغير، فالذي تغير هو السلاح الذي يحقق الأمن. ويستند هذا النموذج إلى فرضية فوضوية النظام الدولي، فالدول تسعى للاعتماد على قوتها الذاتية لضمان أمنها وبقائها وسيادتها. ومن منظور القوة تعتبر القوة النووية الأكثر ضماناً والأقوى لتحقيق الأمن، والرادع لأية قوة أخرى منافسة. وفي هذا السياق حيث تذهب دولة ما لامتلاك القوة النووية تذهب الأخرى. فالولايات المتحدة كانت القوة النووية الأولى بعد الحرب الثانية، تبعها الاتحاد السوفييتي ثم الصين وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل والهند، ومن ثم الباكستان، وكوريا الشمالية. وإسرائيل تدفع بإيران، وإيران قد تدفع دولاً عربية لامتلاك هذه القوة حتى تعيد التوازن وقوة الردع.
ووفقاً لنظرية الواقعية قد تلعب الاعتبارات الاقتصادية والسياسية وحتى التكنولوجية والأخلاقية دوراً أقل من الاعتبارات الأمنية التي تحظى بالأولوية العليا. وإيران تشكل إنموذجاً واضحاً، فرغم العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه فقد مضت قدماً في الإصرار على تفعيل وتطوير قدراتها النووية برفع نسب التخصيب التي تؤهلها في أي وقت لامتلاك القنبلة النووية، التي ترى فيها رديفاً لحماية أمنها. وهناك دافع آخر يتعلق بالمكانة والدور، فهناك دول تعتقد أنه بامتلاكها القوة النووية تصبح أكثر مهابة واحتراماً من قبل الدول الأخرى وأكثر قوة ونفوذاً. فالقوة النووية كفيلة بمنح الدولة القدرة على الإيفاء بمصالحها الحيوية. وكما يقول بعض الباحثين، إن القوة النووية تعكس وتجسد هوية الدولة القومية وتؤدي وظائف رمزية كما في استعادة الدولة لقوتها ونفوذها. وفي حالة إسرائيل التي قامت على أساس القوة، فإن القوة النووية هي الكفيلة بتحقيق أمنها وبقائها من خلال احتكارها للقوة النووية في المنطقة. ونفس الاعتقاد سيدفع دول المنطقة للبحث في تطوير قدراتها النووية.
ويبقى هاجس الأمن والبقاء والنفوذ هو الدافع الحقيقي وراء سعي الدول لامتلاك القوة النووية وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، ما يتسبب باستمرار التوتر والقلق والحروب.