بقلم: جيفري كمب – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- جدّدت حرب أوكرانيا الاهتمام العالمي بالأسلحة النووية والطاقة النووية من أجل توليد الكهرباء. ويُعد الخوف من إمكانية حدوث تصعيد في النزاع الحالي قد يؤدي إلى استخدام الأسلحة النووية إما من أجل استعراض القوة أو لأهداف تكتيكية، أحد الأسباب الرئيسية للبحث عن نهاية للقتال.
لكنه يمثّل أيضاً أحد الأسباب التي تدفع مزيداً من البلدان إلى الرغبة في الحصول على أسلحة نووية. كما أبرزت الحرب اعتمادَ أوروبا الكبير على إمدادات النفط والغاز الطبيعي القادمة من روسيا، والحاجة إلى البحث عن مصادر طاقة بديلة بما في ذلك إعادة النظر في الطاقة النووية. والواقع أن أخطار استخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا تتوقف بالدرجة الأولى على روسيا. ذلك أن هذه الأخيرة لم تستطع تحقيق التقدم الذي كان متوقعاً لقواتها في محاولة السيطرة على كييف، وقد تواجه صعوبات في تحقيق أهدافها المحدودة في هجومها الجديد في شرق أوكرانيا.
وفضلا عن ذلك، فإن الحرب مثّلت مفاجأة صادمة للكثيرين هناك، وثمة تخوّف من إغراء إمكانية الرد عبر تصعيد الحرب من خلال استخدام أسلحة الدمار الشامل في حال باءت الخطط الحالية بالفشل. والواقع أنه من الممكن، وإن كان من المستبعد جداً، أن يدرس أعضاء حلف شمال الأطلسي “الناتو” إمكانيةَ توجيه ضربة نووية ضد روسيا رداً على استخدام هذه الأخيرة لأسلحة كيماوية وبيولوجية (وفقاً لمزاعم الإعلام الغربي).
ويمتلك أعضاء “الناتو” تفوقاً ساحقاً في القوات الجوية والصاروخية غير النووية التي يمكن أن يستخدموها لإلحاق ضرر بالغ بالأهداف العسكرية والاقتصادية الروسية. ولا شك أن رد “الناتو” في حال استخدام موسكو أسلحة محرمة دولياً سيعتمد على الأهداف المختارة. وعلى سبيل المثال، فإن سلاحاً نووياً ذا شحنة منخفضة يفجَّر في بحر الشمال لأهداف تتعلق باستعراض القوة، سيؤدي إلى رد مختلف جداً على هجوم ضد أهداف عسكرية أو مدنية تابعة للناتو.
إن حقيقة كون هذه النقاشات باتت اليوم جزءاً من التغطية الإعلامية اليومية للحرب، تعني أن النقاشات حول فائدة الأسلحة النووية باتت تتصدَّر الأخبار مرة أخرى. فالقوى النووية الموجودة سوف تستثمر كلها مزيداً من الأموال في أسلحة أكثر تطوراً وفي التكنولوجيا المتصلة بها من أجل تطوير قواتها وترقيتها، في حين أن الدول التي يمكن أن تصبح نوويةً، مثل إيران وتركيا واليابان وكوريا الجنوبية، ستناقش جميعها تكاليف تخطي العتبة النووية وفوائدها. ونتيجة لذلك، يمكن القول إن انتشاراً أكبر للأسلحة النووية واهتماماً أقل بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحد من الأسلحة النووية ومراقبتها هو أحد النتائج المحتملة للحرب الأوكرانية.
أما بخصوص الطاقة النووية، فإن أزمة عام 1986 في الاتحاد السوفييتي حينما فشل المفاعل رقم 4 في محطة الطاقة النووية في تشرنوبل، والأزمة الأخرى جراء فيضان مفاعل فوكوشيما النووي في عام 2011 في اليابان عقب الزلزال، دفعتا العديدَ من البلدان إلى توقيف محطاتها الخاصة بالطاقة النووية أو تعطيلها. غير أن حرب أوكرانيا والمخاوف طويلة المدى بشأن تغير المناخ أظهرت مخاطر الاعتماد على إمدادات الوقود الأحفوري.
وهذا أدى إلى تجدد الاهتمام بأهمية الطاقة النووية من أجل إنتاج الكهرباء واستثمارات جديدة في مزيد من محطات الطاقة النووية المتطورة التي ستكون أصغر حجما وأكثر فعاليةً وأكثر أماناً من الجيل السابق من المفاعلات. إن تحديات بناء جيل جديد من محطات الطاقة النووية كثيرة، ومن بينها الحاجة إلى استثمارات كبيرة في مشاريع قبل إمكانية جني أي عائد.
ولهذا، فإن المساعدة الحكومية أساسيةٌ بالنسبة لمعظم البلدان التي ترغب في الاستثمار في الطاقة النووية. غير أن المزايا على المدى الطويل، وخاصة خفض انبعاثات الكربون، إلى جانب استثمارات أكبر في الطاقة المتجددة المستخرجة من الطاقة الشمسية والريحية، تشير إلى أن هذه التركيبة قد لا تساعد الكوكب على التخفيف من الاحتباس الحراري فحسب، وإنما ستساعد أيضاً أوروبا على تقليص اعتمادها على روسيا في مجال النفط والغاز الطبيعي.