بقلم: د. أيمن سمير – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – يوماً بعد يوم تتضح ملامح استراتيجية الولايات المتحدة التي تقوم على «عدم التعجل» في إنهاء الأزمة الأوكرانية. قراءة تفاصيل المواقف الأمريكية منذ اندلاع الأزمة في 24 فبراير الماضي تقول إن كل الأطروحات التي تقدمها واشنطن تسير في مسارين لا ثالث لهما، الأول هو فرض العقوبات على روسيا، والثاني تقديم السلاح الفتاك لأوكرانيا. ولم تقدم واشنطن طوال الأسابيع السبعة من الحرب أية مبادرة أو رؤية تؤشر إلى أي تنازل يساهم في إنهاء الحرب مثل «عدم توسع» الناتو شرقاً، والاكتفاء بضم 15 دولة كانت سابقاً ضمن الاتحاد السوفييتي السابق وحلف وارسو، من بينها 11 دولة انضمت للحلف في عهد الرئيس فلاديمير بوتين. فما هي المقاربات والحسابات الأمريكية في هذه الأزمة؟ وما هي رؤية واشنطن لتعزيز «تموضعها الجيوسياسي» بعد الأزمة؟
تعميق الألم
تنظر الولايات المتحدة لما تعتبره «تعثر» روسيا في أوكرانيا بأنها فرصة لن تتكرر لتحقيق مجموعة من المكاسب السياسية والعسكرية والاقتصادية والجيوسياسية، يأتي في مقدمتها «تعميق الألم» للدببة الروسية، و«توسيع الفجوة» بين موسكو وجيرانها الأوروبيين بما يرسم «طريقاً ذات اتجاه واحد» أمام الدول الأوروبية يقود إلى مزيد من «الاعتمادية الأوروبية» على الولايات المتحدة سياسياً وعسكرياً وأمنياً، بما يعزز «إعادة التموضع الجيوسياسي» للولايات المتحدة في أوروبا على حساب روسيا.
فمثلاً في مجال الطاقة نجحت الولايات المتحدة في دفع الأوروبيين نحو التفكير في التخلي عن استيراد النفط والغاز والفحم من روسيا، والبحث عن البدائل في أقرب وقت، ونجحت في إقناع ألمانيا بوقف خط نقل الغاز الروسي «نورد ستريم 2». في المقابل سوف تحصل أوروبا على 26% من شحنات الغاز المسال من واشنطن هذا العام، بعد أن كانت مبيعات الولايات المتحدة لأوروبا منه عام 2016 صفر%، وهو ما يخدم أهداف الولايات المتحدة في مجال الطاقة بعد أن تحولت واشنطن منذ ديسمبر الماضي لأكبر مصدر للغاز المسال في العالم عندما صدرت في 2021 نحو 1043 شحنة قياسية.
كما يعتقد مجمع الصناعات العسكرية الأمريكية، خاصة شركات مثل لوكهيد مارتن وريثينون، أن هذه الحرب فرصة لأمريكا لم تأت منذ نحو 30 عاماً عندما تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، حيث ساهمت نهاية الحرب الباردة في تراجع مشتريات السلاح من جانب الدول الأوروبية، والتي كانت تفضل الإنفاق على الجوانب التنموية والصحية وتحقيق أعلى معدلات الازدهار والرخاء.
لكن الحرب الروسية أعادت الروح لشركات الصناعات العسكرية الأمريكية، فبعد أن كاد يتوقف إنتاج صواريخ مثل ستينغر وجافلين ها هي الطلبيات الأوروبية تسعى لشراء الآلاف منها. وتشير الأرقام إلى أن غالبية الزيادة في الإنفاق الدفاعي لدول الناتو والاتحاد الأوروبي واليابان وتحالفات مثل «أوكوس» و«كواد» سوف تذهب لجيوب شركات السلاح الأمريكية، فعلى سبيل المثال سوف تشتري ألمانيا التي زادت ميزانيتها العسكرية إلى 50 مليار يورو، وخصصت صندوقاً آخر بـ100 مليار يورو لتحديث الجيش، سوف تشتري منظومات دفاعية وطائرات أمريكية بمليارات الدولارات منها شراء 32 طائرة «أف 35» الأمريكية، وهو أمر ينطبق على غالبية الدول الأوروبية وكل الدول التي تنضوي تحت راية «التحالفات الأمريكية» سواء في أوروبا أو آسيا.
الرواية الأمريكية
لكن أكثر ما تراهن عليه واشنطن هو أن استمرار الحرب سوف يجعل «الرواية الأمريكية» عن روسيا «أكثر قبولاً» من السابق، فقد استثمرت الولايات المتحدة في «تسويق الخوف» من روسيا، واليوم تجد في مجريات الأزمة وتداعياتها على الغذاء فرصة لتغذية «البيئة المعادية» لموسكو ليس فقط في شرق أوروبا بل في جميع أنحاء القارة العجوز، ناهيك عن اعتقاد البيت الأبيض أن أداء الرئيس جو بايدن قد ينقذ انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر.