بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم – رغم أن الهند هي إحدى الدول الأعضاء في التحالف الرباعي (كواد) الذي يضمها إلى الولايات المتحدة واليابان وأستراليا، في مواجهة الصين، فإن نيودلهي افترقت عن واشنطن في ما يتعلق بالمواقف من الحرب الروسية على أوكرانيا.
طالبت الهند بالحوار وسيلة لإنهاء الحرب، وامتنعت عن إدانة روسيا في الأمم المتحدة، وواصلت استيراد النفط الروسي، في وقت يقود الرئيس الأميركي تحالفاً مع أوروبا لتدمير الاقتصاد الروسي، كوسيلة ضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كي يوقف الحرب.
ونيودلهي، كما هو معروف، تربطها علاقات تاريخية بموسكو منذ أيام الاتحاد السوفياتي، واستمرت هذه العلاقات مع روسيا التي تعتبر إلى الآن المصدر الأول للسلاح إلى الهند. وكان البلدان يناقشان حتى قبل الحرب في أوكرانيا، إقامة نظام مالي مباشر بينهما يعتمد على التعامل بالروبية الهندية والروبل الروسي والاستغناء عن الدولار الأميركي في مبادلاتهما التجارية. وقد تعزز هذا الاتجاه بعد العقوبات الغربية على روسيا وعزلها عن نظام “سويفت”.
ولعل هذه النقطة الأخيرة هي مثار القلق الجدي في الولايات المتحدة، لأن المضي في هذا الاتجاه من شأنه أن يضعف الدولار الأميركي، خصوصاً إذا ما طبق النموذج نفسه على المبادلات التجارية بين روسيا والصين أيضاً.
وبينما يضغط بايدن لجعل العقوبات غير المسبوقة على روسيا تؤتي ثمارها في أقرب وقت، فإن مواقف دول كبرى مثل الهند والصين، توفر لموسكو باباً واسعاً للالتفاف على العقوبات والتخفيف من فاعليتها، وإفقاد الحرب الاقتصادية والمالية التي يشنها الغرب على روسيا الكثير من زخمها.
وتدليلاً على الأهمية التي توليها واشنطن لإقناع نيودلهي بتغيير موقفها، عقد بايدن قمة افتراضية مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الإثنين، لكن لا يبدو أن الزعيمين توصلا إلى تضييق الخلافات بينهما حيال الحرب في أوكرانيا.
وليست الهند والصين وحدهما من يؤرق الولايات المتحدة. فالرئيس الأفريقي الجنوبي سيريل رامافوزا يؤكد أن موقف بلاده سيبقى “متوازناً” حيال الوضع في أوكرانيا، والرئيس البرازيلي جاير بولسونارو قال عقب الغزو الروسي لأوكرانيا: “لن ننحاز إلى أي طرف. سنلتزم موقف الحياد”. كما رفض الرئيس المكسيكي أندريز مانويل لوبيز أوبرادور الانضمام إلى العقوبات التي فرضت على روسيا، وقال: “لن نتخذ أي نوع من الإجراءات الاقتصادية الانتقامية، لأننا نريد إقامة علاقات جيدة مع كل الحكومات في العالم”.
وهذه الدول وغيرها من تلك التي تلتزم الحياد، وبينها دول شرق أوسطية منتجة للنفط، تجعل الحصار الغربي غير مكتمل وبعيداً من تحقيق كامل أهدافه.
ومن هنا، حاول بايدن أن يستخدم لغة ممزوجة بشيء من التحذير حيال الهند، في محاولة لحملها على مغادرة مربع “التردد” الذي يتسم به موقفها، وتالياً خفض اعتمادها على النفط والسلاح الروسيين. لكن لا يبدو حتى الآن أن نيودلهي في وارد تلبية المطالب الأميركية. ولا تزال الهند تصف موسكو بأنها “ركيزة أساسية” للسياسة الخارجية الهندية بسبب “الشراكة الاستراتيجية” لأمنها القومي. وزار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نيودلهي أواخر الشهر الماضي لشكرها على موقفها “المتوازن”.
والظاهر أن أميركا لن تترك ورقة ضغط إلا وتستخدمها لإقناع الهند بالتخلي عن الرهان على روسيا. وعلى سبيل المثال، القول بأن العلاقة مع موسكو ستضعف في نهاية المطاف موقف نيودلهي في مواجهة بكين، وسط التوتر الحدودي الذي ساد بين الجانبين الصيف الماضي، وأدى إلى مقتل جنود من الجانبين.
حتى الآن، لا يبدو أن ثمة مؤشرات إلى احتمال تغيير الموقف الهندي، وسط تساؤلات حول إلى أي مدى يمكن أن تذهب واشنطن في ضغوطها.